القاهرة 23 مارس 2021 الساعة 01:43 م
بقلم: أحمد محمد صلاح - كاتب وروائي
المتابع للحالة الثقافية والدينية الراهنة يجد أن الأمر وصل إلى حالة من التردي المفزع، ولا أقصد التردي المؤسسي فهذا له قياس آخر ورجال آخرون يتحدثون عنه، ولكنني هنا أناقش الحالة الفكرية التي تردت للحد الذي أصبح نوعًا من السجال بين فريقين كلاهما لا يمتلك مفردات النقاش والحوار.
أقول ذلك بعد أن تحول الهجوم علي الإسلام إلى "موضة" وتريند إذا صح القول، ورغبة في الشهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، في مطالبة من هؤلاء بتجديد الخطاب الديني الذين ينسبون إليه مسائل التطرف والإرهاب والداعشية، وفي نفس الوقت يضعون أيديهم المخضبة بالملح في أعين هؤلاء المتطرفين لتتأجج نار الإرهاب الفكري والتطرف.
حالة مزرية يمر بها العقل العربي الإسلامي وخصوصًا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي واستطاعة كل من يستطيع أن يخط حرفًا وأن يرتب الحروف ويكتب كلمة، فيقول ما يريد أمام الناس، فظهر علينا أنصاف المثقفين وأنصاف الدعاة.
جاء الإسلام غريبًا ويعود غريبًا
حديث صحيح لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فالإسلام عندما ظهر بالجزيرة العربية كان وقع كلماته وتعالميه علي البيئة المحيطة به غريبا للغاية، مما حدا بتحالف بين رأسمالية القبائل التي رفضت المساوة بين السادة والعبيد في أول ثورة اجتماعية تشهدها شبه الجزيرة، وبين عدد من المثقفين الذين يجيدون القراءة في ذلك الوقت بالجزيرة العربية واستطاعوا قراءة عدد من مؤلفات اليونانيين واليهود وغيرهم، فلم تكن الجزيرة العربية معزولة عن العالم، فكان الهجوم على الإسلام ونبي الإسلام بشكل قاس (لاحظ التشابه بين ما حدث أيام البعثة وهذه الأيام).
ومن يقرأ كتب السيرة سيجد أن ما يكتب الآن على صفحات التواصل الاجتماعي كان يكتب في الماضي على جلود الغزال هجاء ومراسلة بينهم وبين بعض لنبي الإسلام، مثل الادعاء بأنه مصاب بالصرع، أو أنه ليس أميًّا بل يقرأ ويكتب وتلقى علومه على يد أحد الأعاجم الذي عرفه على عدد من اللغات منها العبرية واليونانية فقرأ أرسطو وأفلاطون على سبيل المثال، ومنهم استمد الإنسانيات التي وضعها في دين سماه الإسلام!
ثم يذهب البعض في الهجوم إلى أبعد من ذلك ليس فقط للإسلام ونبيه بل إلى الديانات الإبراهيمة كلها، بل إلى باعث الأنبياء كلهم، فيدعون أن فكرة الدين أساسًا هي "عملية نصب" بارعة، اخترعها "إبراهيم" إبراهام في العبرية، ليجعل الغلبة والقوة في يد ذريته من خلال "إله واحد" يتم عبادته من الجميع، ثم استمرت عملية "النصب" على مدار قرون حتى وصلت إلى "محمد" الذي استمرأ اللعبة، فطور الفكر الديني ليصبح هو الإسلام.
حاشا لله عز وجل، لا تؤاخذوني فناقل الكفر ليس بكافر، ولكن هذا ما يحدث على صفحات السوشيال ميديا، وهو نفس ما حدث على جلود الغزلان منذ أكثر من 1400 عام في الجزيرة، أي بتعبير دارج ما أشبه الليلة بالبارحة، وبالرغم من الرد على كل تلك الحجج والأكاذيب إلا أن البعض يحب أن "ينكش" مرة أخرى في تلك الترهات.
مئات من القضايا والمسائل التي يجب مناقشتها على نطاق أوسع وبدقة أكثر وتحليل أعمق، قد تكون بذرة بحثية بعيدة عن التعصب والتطرف، توضح ببساطة وعمق في نفس الوقت أننا نحتاج إلى تجديد وليس تفكيك الخطاب الإسلامي.