القاهرة 23 مارس 2021 الساعة 01:33 م
عاش الذكريات: صلاح صيام
في حياة كل مبدع ذكريات جميلة تبقى عالقة في الذاكرة لتذكرنا بكل ما هو جميل ورائع.. الشاعر الثائر "بابلو نيرودا" يقول عن المذكرات إنها تسجيل لصور فوتوغرافية؛ أما الذكريات فهي تسجيل لوحات تشكيلية من صنع فنان نحت الألم في قلبه الكثير..
في هذه السلسلة نحاول الغوص في أعماق المبدعين، نستخرج ذكرياتهم المحفورة في الذاكرة ونبحث عن الأشخاص الذين أثّروا في حياتهم وصنعوا أشياءً لا تختفي بفعل الزمن.
واليوم موعدنا مع الشاعر اللبناني الكبير الدكتور محمد علي شمس الدين:
أول ما علمتني الريح وهي تعصف في أعالي قريتي الجنوبية.. كنت صغيرًا وكنت أنتظر هبوب الريح الشمالية في الشتاء لأستسلم لمتعة لم أفهم اسرارها حتى الآن، أمشي ضدها كالمأخوذ ولا أعرف إلى أين. أيضًا في تلك الفترة من الطفولة كان صوت جدي الشيخ يحفر في نفسي وهو يقرأ الأوراد القرآنية، وأشعار مناحات كربلاء وقد تركت جروحًا عميقة، لم تسرقني المدن فيما بعد من صوتي العاصفة الجبلية ونشيج الجد المرتل، كان ذلك يملأ كياني وأعتبر أمي العاصفة وجدي هو أبي.
باكرًا قرأت كتبا كثيرة: المعرّي، المتنبي، التوحيدي، ومحي الدين بن عربي، سأذكر اللزوميات حيث الشك وعذاب العقل الشقي بالوجود، وأذكر أفراس أبي الطيب وما يشبه الريح من قلقه وجموحه، وأذكر سوداوية صاحب الإمتاع والمؤانسة، والمقابسات، وفتوحات ابن عربي المكية، ثم جاء ألبير كامو وميرسو في الغريب، تقمصت ميرسو لفترة من الزمن، وحضرت فيلم السينما، ومعه حضرت سينمات كثيرة أجنبية خاصة أفلام الغرابة، وأثرت في نفسي مشهديات سينمائية كثيرة، كيارستومي الإيراني وبستان الكرز، ندخل إلى الرسم وفان جوج الذي لونني بالأصفر الخريفي، وسلفادور دالي بأشباحه السريالية، وماجريت.. وكذلك الموسيقى: فاغنر، وبتهوفن، وسيد درويش، والموسيقى الإيرانية (مشايخي) الأناشيد الصوفية، والمدائح النبوية (التوني).. شعراء كثر صادقتهم، أذكر نيرودا، وأنطونيو ماتشادو، وإليوت، وأنتونان أرتو، وفروغ فرخزاد، والسياب، وشوقي، وحافظ الشيرازي، والماغوط، والبياتي، وجار لي صعلوك ومتشرد كان بحارًا يرود الموانئ البعيدة يخوض البحار ويسهر في الحانات ويعتقد أنه شاعر لأنه بحار.. سأضيف أيضا فلاسفة ومؤرخين وروائيين وقصاصين ومغنيين.. ولا أنس أولاد حارتنا لنجيب محفوظ، وأصداء السيرة الذاتية له، والتساؤلات لنيرودا، وألف عام من العزلة لماركيز..
جميع من ذكرت وآخرون تعلمت منهم أن أكتب قصيدتي.. إنهم بعض أقنعتي!