القاهرة 16 مارس 2021 الساعة 09:08 ص
بقلم: د.فايزة حلمي
يبدو أنه لا يمكن لأي إنسان أن يكبر مُعافى نفسيّا؛ ما لم يكن محبوبًا للغاية من قِبل شخص ما لعدة سنوات في حياته المبكرة، لكننا ما زلنا نتعلم ما قد ينطوي عليه الحب الأبوي.
في الواقع، إن كلمة "الحب' تنطلق من اللسان بخِفة، ولن يقاوم عدد قليل من الآباء -حتى أكثرهم بغضا- الاعتراف بأنهم شعروا بالعواطف بعمق، لكن هذا لا يعني أن السلوك المُحِب يَسهل فهمه من الناحية النظرية أو العملية في الواقع.
فماذا إذن قد تكون بعض متطلبات الحب الأبوي؟! قد تبدو بداية القائمة كما يلي:
التناغم:
الوالد المُحب يصل إلى مستوى الطفل، في بعض الأحيان؛ ينخفض حَرفيًا إلى مستواه عند مخاطبته، من أجل رؤية العالَم مِن خلال عينيه، إنه يدرك أن الطفل الصغير جدًا لا يمكن أن يتلاءم بسهولة مع المطالب الخارجية وأنه في الأيام الأولى، يجب إعطاء الأولوية له ووضعه في مركز الأشياء، ليس من أجل``إفساده'، ولكن لمنحه فرصة للنمو.
سوف يحتاج الأطفال إلى أن يكونوا قد تم تربيتهم لفترة كافية حتى يتمكنوا في النهاية من التطور إلى بالغين كرماء ومتعاطفين وراضين عن أنفسهم، يفهم الآباء المحبون غريزيًا أن ما يحتاجه الأطفال "الساعون إلى الاهتمام" ليس عقابًا ومحاضرة حول كونك صعبًا، ولكن النوع الصحيح من الرعاية المنسجمة التي ستقنعهم بالخروج من مساعيهم المحمومة للحب.
التأثر العالي أو الحساسية:
الآباء المحبون يعرفون الحساسية النفسية لطفل صغير، ومستعدون للشعور بالأسف تجاههم بدلاً من استخدام ضَعفهم كفرصة للانتقام لأنفسهم من حرمانهم؛ والأسف لمدى عدم فهمهم حين كانوا هم ذات يوم صغارا، ومدى صعوبة التواصل معهم ، ومدى الغرابة التي يمكن أن يشعروا بها أو مدى غضبهم؛ دون أي خيار للحرية بخلاف الصراخ ... لِذا يمكن للوالد المُحب السماح لهم بأن يكونوا أطفالا لفترة طويلة، لأنه يستطيع أن يرى في الأفق؛ ظهور شخص بالغ قادر مسئول في نهاية المطاف.
الاهتمام بالأشياء الصغيرة:
يفهم الآباء المحبون أن حياة أبنائهم الصغار تدور حول تفاصيل تُعتبر صغيرة جدًا؛ بأي مقياس للبالغين، سيشعر الأطفال الصغار بسعادة كبيرة لأنهم يستطيعون حفر أظافرهم في بعض المعجون، أو الحصول على فرصة لوضع ملعقة في بعض البازلاء،أو قول "باه" بصوت عالٍ جدًا؛ وسيشعرون بحزن شديد لأن ثوب الأرنب الأليف فَقد أحد أزراره، أو أن صفحة في كتاب مفضل بها تمزق الآن.
سيعرف هؤلاء الآباء -في لحظات- أن العالم بأسره سيبدو وكأنه عالم مأساوي ، لأن أبي أكل إحدى البطاطس المقلية عن طريق الخطأ أو لأنه لن تكون هناك قراءة أخرى لـقصة قبل النوم.
يشعر الوالد المُحِب بأنه واسع الحيلة داخل نفسه بما يكفي؛ لدرجة أنه يقوم بعمل كبير للغاية مما يسمى "لا شيء"، لأنه كوالد ؛ سيتبع الطفل في حماسته على بركة ماء، وحزنه على جورب غير مريح، إنه يدرك أن قدرة الطفل المستقبلية على مراعاة الآخرين والتعامل مع الكوارث الحقيقية؛ ستعتمد بشكل حاسم على تعاطفه الكبير الآن كأب مع مجموعة من الأحزان المناسبة لعمر ابنه.
الغفران:
سيعرف الوالد المحب كيفية وضع أفضل تفسير ممكن لسلوك ابنه الذي قد يبدو للآخرين مؤسفًا ومزعجًا: فالطفل الصغير ليس "مثيرًا للمشاكل"، لكنه بالطبع كان مستاءًا جدًا من وصول أخيه، إنه ليس "معادٍ للمجتمع"، إنه ليس "كابوسًا" ولكنه بالتأكيد بحاجة إلى النوم قريبًا جدًا، ستستمر هذه القدرة للأب المُحِب على التفسيرات الخيالية اللطيفة لتشكيل طريقة عمل ضمير الطفل؛ هكذا سوف يتعلم فن مسامحة الذات، لن يكون عليه أن يعذب نفسه بسبب أخطائه، لن يعاني من ويلات كراهية الذات، أو الميل أبدا إلى الانتحار.
مراحل غريبة:
سيشعر الوالد المُحب بأنه عاقل بدرجة كافية للسماح للطفل بأن يكون غريب الأطوار لفترة من الوقت، مع العِلم أن ما يسمى بالغرابة هو جزء طبيعي من النمو، لن يشعر بالارتباك لأن الطفل قرر التظاهر بأنه حيوان، أو أنه يريد أن يأكل فقط الأطعمة ذات اللون الأحمر، أو أن يكون لديه صديق وهمي يعيش في الشجرة في نهاية الحديقة، سيكون لديه إيمان؛ بظهور العقل، وحكمة استكشاف الكثير من الخيارات الممكنة قبل اختيار الاستقرار على الصواب.
سيكون الأب المُحِب؛ قادرا على الهدوء مع بعض نوبات الغضب والهواجس الشديدة، ولن يحتاج إلى إيقاف الاستهتار في كل نوبة، وسيكون صبورًا حول الحالة المزاجية السيئة وغير منزعج من فظاعة المراهقين، سيعرف عدد الطرق الجانبية للسلوك الغريب أو المؤسف الذي قد يحتاج المرء إلى البقاء فيه قبل أن يتمكن من الانضمام إلى مرحلة البلوغ الأصيل واللائق.
على طول الطريق ، لن يقوم الوالد بتعيين تسميّات للطفل لمجرد أنه ينهمك في الدور الذي كان يجربه فقط، سيكون حذرًا من إخبار الطفل بأنه "الطفل الغاضب" أو "الفيلسوف الصغير" أو حتى "الطيب"، هكذا سوف يتيح للطفل رفاهية اختيار هويته.
دعابة:
الأسرة المحبة ليست تلك التي توجد فيها سعادة غير معقدة ، بل هي تلك التي يتعلم فيها أفرادها المختلفون أن يظهروا لبعضهم البعض درجة عالية من المودّة، ولكي يكون هذا ممكنًا؛ يجب أن يكون الطفل قد شهد على مدى سنوات عديدة نصيبه من غفران الوالدين، سيحتاج الوالد إلى أن يكون لطيفًا في مواجهة ألف إحباط .
الآن ، يمكن لكل فرد في العائلة أن يرى أي شخص آخر فيها؛ على أنه سخيف في الأساس وليس شرًا؛ ستكون عصبية الأب، وهوس الأم، وتقلب مزاج الأخ، وصرامة الأخت؛ من الأمور للتعليق المسلي بدلاً من الغضب أو المرارة، ستكون الأسرة نموذجًا يتم التعامل معها جيدًا واستيعابها.
ببساطة:
الحب هو السلوك المُرَاعي، المعطاء، والصبور للغاية؛ الذي يُظهِره شخص بالغ على مدى سنوات عديدة تجاه طفل؛ لا يسعه إلا أن يكون خارج نطاق السيطرة إلى حد كبير، لأنه مرتبك، محبَط ومربِك، حتى يصبح بمرور الوقت شخصًا بالغًا يمكنه تحمل مكانته في المجتمع دون فقدان الكثير من العفوية، دون الكثير من الرعب، مع الثقة الأساسية في قدراته.
يجب أن نكون مدركين أنه على الرغم من كل التطورات العديدة التي حققناها، إلا أننا ما زلنا في "فجر" معرفة كيفية ضمان حصول المزيد من أطفالنا على الطفولة التي يحتاجونها.