القاهرة 11 مارس 2021 الساعة 11:05 م
كتبت: إنجي عبدالمنعم
"الجانب الآخر" المعرض الفردي الثالث للفنان التشكيلي شعبان الحسينى، يقدّم من خلاله لوحات تجمع بين التشخيصية والفانتازيا والرمزية، إلى جانب خطوطه التي تحمل في طياتها تصاميمه في الطبعة الفنية، والرسوم المتحركة التي تمثل إضاءة على روح الفنان الكامنة في أعماقه.
يعمل الحسيني برمزية عالية ليخلق تمثيلات شعرية لأحداث وأمكنة واقعية دون أن تفارقه تأثيرات الميثولوجيا والخيال واللاوعي، ولتشكل الذاكرة ومسار الزمن والتأمل والعزلة والغنائية العناصر الأساسية في أعماله الفنية.
يتعامل الحسيني في أعماله مع الرموز التي يخزنها في ذاكرته والتي تختزل واقع طفولته ومعارفه وقراءاته وكل ما يميز عالمه الصاخب بالقصص التي تتشكل في مخيلته؛ لتتبلور في طرح فني تشكيلي يمنح اللوحة فرصة التفاعل الشعوري والتأثر الحسي للوصول للمعنى الخفي وللحقيقة العالية، فمن خلال التجريب والممارسات المتنوعة وراء الفكرة التي يختزنها فقد ابتعد عن الفن الكلاسيكي متجها إلى الحداثية بمحتواها المبتكر الجمالي، موظفا عناصره بما يليق بخياله وحلمه وفكرته المحلقة في عوالم روحه، ومن تلك الفوضى يرتب العلامات الرمزية ويتحول من اللافهم إلى الفهم، ومن القراءة والسرد إلى التفاعل التشكيلي والحسي واللوني.
وقد اعتمد الحسيني في تجربته الأخيرة على عدة عناصر مثل الطفل، الدراجة، البهلوان، الزمن، الطبيعة، بتفعيل رمزي يغوص في غموض الوجود والكون من خلال العلاقات الطفولة المرحة، متخذا بالتة لونية تمثل سلما موسيقيا بديعا يجمع بين التلقائية والوعي الشديد؛ فتبدو ألوانه بانفعالية لم تكن مقصودة إلا أنها تحدث ثراءا واضحا، فاستخدامه للألوان الساخنة كالأحمر والأصفر والأخضر الزرعي بجرأة شديدة في مساحاته الكبيرة يعطي للمتلقي مساحة للتعايش والتعمق أكثر في كل لوحة على حدة.
وفي حديثه لمجلة <<مصر المحروسة>> صرح الحسيني أن ابنته هي بطلة المعرض، وأشار أن التجريب والعفوية التلقائية يلعبان دورا بارزا في أعماله الفنية، وحول فلسفة العرض قال: "هناك تباين بين الواقع والحقيقة ربما على عكس الشائع، فالواقع هو ذاك الذي يظهر على السطح وتراه أعيننا ونتعامل مع معطياته التي نلمسها يوميا، أما الحقيقة فترقد داخل صندوق مغلق نخفيه بعناية على الجانب الآخر.. ذلك التباين بين ما نراه وما يخفى عنا نلمسه في المعالجة المبهجة من حيث الألوان وتوظيف لشخصيات مفعمة بالحياة، مثل شخصية المهرج التي وظفت في أكثر من عمل، ولكنها تجسد حالة من الحزن التي تطل من الأعين، وكذلك تعكس بمزيد من التدقيق وحدة الإنسان وبحثه عن الونس والرفقة".
ويشير الفنان شعبان الحسيني أنه يستمر في منحاه نحو التشخيص، فلا يخلو عمل من أعماله من بطولة إنسانية محملة بالمعاني التي نقرأها في نظرات متبادلة، وفي لمسات حانية وفي مشاعر أسرية وأبوية، وإن كان يترك المساحة لحكايات فردية نستمع إليها بقوة في هذا المعرض.
وعلى الرغم من خلو العنوان الذي اختاره الفنان لهذا المعرض"الجانب الأخر" من أي دلالات للوقت على عكس معرضه السابق "فرق توقيت"، إلا أن مفهوم الوقت أو الزمن يظل هو العامل الأساسي الذي يحكم تجربة الفنان التشكيلية منذ البداية، ومع ذلك يؤطر زمنا ما غير محدد، هذا الزمن هو ابن الخيال، وابن الحلم، أو ابن لحظات اقتنصها أبطاله من سعادة منتزعة عنوة من الواقع، ليذكرنا مرة أخرى بعنوان لوحة شاجال "الزمن نهر بلا ضفاف".
ويستكمل الحسيني حديثه حوله معرضه: "أصطحب معي خبراتي السابقة في ممارستي الجرافيكية من جهة، وفي تخصصي في الرسوم المتحركة من جهة أخرى، إذ يتميز السطح بثرائه وبتفاصيله، وكذلك بحركة لا تغفلها العين نلمحها في عدة سمات منها وجود الكثير من المفردات التي ترتبط بفعل الحركة، كالسيارات والدراجات والعجلات والطائرات والبالونات وغيرها، كما أن أبطالي لا يتوقفون عن الحركة والتحليق والتأرجح والجري، بلا ثبات وكأننا بانتظار المشهد التالي".
يذكر أن الفنان شعبان الحسيني قد تخرج من كلية الفنون الجميلة، قســم جرافيـك في 1995، وهو عضو نقابـة الفنانين التشكيليين، وعضـو أتيليـه القـاهرة، وقد شارك في العديد مــن المعارض من بينها صالون الشباب الثامن والتاسع، وصالون الحفـر بأتيليه القاهرة في 2013، ومعرض مراسم سيوه 2014، وصالون فناني مصر في 2016، وصالون الجنوب الدولي بالأقصر في 2016، كما شارك في صالون القاهرة الثامن والخمسين في 2018.
وله مقتنيـــات لدى عدة جهات من بينها متحف الفن الحديث، وصنــدوق التنميـــة الثقافيـــة، وقطاع الفنون التشكيلية.
ويعد معرض "الجانب الأخر" هو معرضه الفردي الثالث بعد معرض "فرق توقيت" بقاعه الباب سليم في 2018، ومعرض" الحلم" بقاعة زاج بيك في 2019 وقد افتتح بجاليرى زاجبك Zagpick بالشيخ زايد مساء الثلاثاء الماضي، ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى يوم 30 مارس 2021.