القاهرة 11 مارس 2021 الساعة 07:29 م
كتب: وائل سعيد
يأتي فيلم "إن شئت كما في السماء" للمخرج إيليا سليمان ليُكمل ثلاثيته الفلسطينية التي بدأها بـ "سجل اختفاء 1996"، وتبعها بفيلميه "يد إلهية 2002، والزمن الباقي 2009"، ورغم أن الفترة الفاصلة بين الأفلام الثلاثة كانت حوالي سبع سنوات؛ فالجزء الرابع وحده صدر بعد عشر سنوات كاملة، مكنته من التخلص من سمة "المباشرة" التي هيمنت على الأجزاء الثلاثة.
في العموم، لا تسير هذه الأفلام وفق ما هو معهود في الأفلام المُجزأة؛ وكل ما يجمعها هو المخرج نفسه على مستوى التأليف وكتابة السيناريو، وشخصية "البطل" الصامتة في مراحل عمرية مختلفة، ولكن بمساحة أكبر في فيلمه الأخير. أيضا مسرح الأحداث فلسطين، تحديدا مسقط رأسه "الناصرة"، وإن تخطى هذه المرة المكان، منتقلا إلى فرنسا وأمريكا ليعود إليها مرة أخرى.
يبتعد الفيلم كثيرا عن الطريقة المعتادة في طرح القضية الفلسطينية؛ بجعلها مرتكزا لرسم صورة أكبر لقضية جديدة بمعطيات هذا العصر حيث يتساوى الجميع في المعاناة، ما يغري بصنع عالم ساخر ومفارق، بدءًا بالمشهد الافتتاحي لموكب من المصليين يرددون ترتيلة "المسيح قام من بين الأموات وداس الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور"، يتقدمهم الكاهن وبعض الرهبان، في طريقهم هابطين درجات بعد درجات (رغم أن المجد في الأعالي) ليصلوا في النهاية لبابها بالأسفل والذي من المفترض أن يقوم بفتحه خادم من الداخل حين يصيح الأب "ليدخل ملك المجد".
لا أحد يجيبه، حيث يتبين أن من بالداخل في حالة سُكر تجعلهم يمتنعون عن المشاركة ككل مرة في إتمام الطقوس، فلا يجد الأب مفرًا من خرق ذلك الجدار الإيهامي، بتحطيم الباب الجانبي للكنيسة ليضرب السكارى، كما يظهر من الأصوات القادمة من الداخل، ثم يفتح الباب داعيا موكب المصليين للدخول..
ينقسم الفيلم إلى عالمين مختلفين: عالم النشأة "فلسطين"، والعالم الحالي الذي يتنقل عبره "فرنسا، أمريكا"، في رحلة بحث عن تمويل لفيلمه الجديد، تعتذر فرنسا عن إنتاجه لأن ما يطرحه الفيلم يختلف تماما عن طريقة طرح القضية الفلسطينية؛ فكل ما ورد فيه من معاناة، يحدث في أي مكان، مع التأكيد على موقف فرنسا الداعم للفلسطيين.
في حين يسخر الجانب الأمريكي من فكرة الفيلم وعنوانه "السلام في الشرق الأوسط"، وتخبره مُنتجة الشركة بأن فيلما بهذا العنوان لابد وأن يكون كوميديا.
يعقد المخرج سلسلة من المقارنات بين هذين العالمين: ففي بلده يضيق بجاره المقتحم وزحمة الشوارع بشباب المقاومة والعداء غير المبرر من بعض المواطنين، فيما تمتلأ شوارع باريس بالبشر ولكنهم معزلون عن بعضهم البعض ولا يخلو عالمهم الباهر من العدائية التي يصوبها له أحد الشباب في عربة المترو أثناء تجواله.
غلبت اللقطات الواسعة على افتتاحيات المشاهد، ولما كانت جميع المشاهد تُسرد من وجهة نظر واحدة "المُخرج" فقد حافظ على وضعية ظهوره في منتصف الشاشة تماما مستخدما ذلك في اللقطات الواسعة والمتوسطة، وحتى إن كانت "كلوز اب "Close Upلقطات قريبة جدا.
تخدم هذه المركزية الفكرة على مستويين: أولهما تقصي أفضل وضعية للرؤية العادلة بغرض الحكم المجرد على الأشياء، في ذات الوقت ترسخ هذه المركزية لحالة من الحيادية التامة إزاء ما يحدث؛ على الرغم من انفعالات البطل في استقبال بعض الشخصيات أو المواقف عبر سير الأحداث، والإدانة الموجهة حتى لنفسه، فمع شيوع الألم، بات من المضحك البحث عن عالم بلا آلام، إن شئت ذلك؛ فهو في السماء!