القاهرة 18 فبراير 2021 الساعة 09:38 ص
بقلم: د. نهى عبد المعبود
يمثل النوم الإعجاز العلمي الذي شغل العلماء على مدار العصور؛ ففي العام 350 قبل الميلاد كتب أرسطو مقالة عنوانها "عن النوم والأرق" مندهشا من ذلك الإعجاز الذي يسمى النوم وماهيته وأسبابه، وفي خلال 2300 سنة لاحقة لم يجد أحد إجابة شافية.
لكن في العام 1924 اخترع الطبيب الألماني (هانز بيرغر) جهاز تخطيط موجات الدماغ الذي يسجل نشاط الدماغ الكهربائي وبذلك انتقلت دراسة النوم من حضن الفلسفة إلى رعاية العلم، وفي عام 2017 منحت جائزه نوبل في الطب لثلاثة من العلماء تمكنوا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من تحديد الساعه البيولوجية الجزيئية داخل خلايانا والتي تدور مع دورة الشمس.
ولقد أثبتت آخر الأبحاث أن اختلاف التزامن اليومي للجسم يزيد من خطر الإصابة بضعف المناعة وأمراض الدم والاكتئاب والزهايمر وضعف النمو؛ وعلى الرغم من ذلك فقد انتشر في الآونة الأخيرة اختلال النمط اليومي للساعة البيولوجية حيث أصبح النوم شحيحا أو كثيرا ولكن في غير مواعيده؛ وذلك نتيجة لزيادة الأضواء وشاشات التليفزيون والهواتف الذكية حيث يعتبر الكثيرون النوم بمثابة لص يسرق اللحظات السعيدة فما أطال النوم عمرا..
ألم يقل توماس إديسون مخترع المصباح الكهربي (إن النوم عبث وعاده سيئة)، كما أنه توقع أننا سوف نستغني عن النوم في نهاية المطاف!
مراحل النوم:
المرحله الأولى للنوم:
فى المرحلة الاولى من النوم يحدث التحول التدريجي من اليقظه للنوم، فبمجرد إطفاء الأنوار والانفصال عن العالم الخارجي وإغلاق العيون تقوم الغدة الصنوبرية بإفراز الميلاتونين وذلك إشارة إلى حلول الليل، فيما تستجيب الخلايا العصبية للدماغ والتي يصل عددها إلى 86 مليار خلية والتى تتسق مع بعضها البعض مكونة شبكة عنكبوتية للدماغ.
تستجيب تلك الخلايا لهورمون النوم فتبدأ في فصل إشارات اليقظة عن المستقبلات الحسية للجسد ليدخل في مرحلة انحسار بعيد عن اليقظة ونبدأ في الاستسلام للنوم، هذه هي المرحلة الأولى من النوم والتي سماها العلماء بمرحله النوم الضحل والتي لا تزيد عن خمس دقائق على أقصى تقدير.
المرحلة الثانية للنوم:
تبدا الإشارات العصبية في الصعود من أعماق الدماغ فيما تسمى بالمغازل منطلقة تلك الطبقة الخارجية هي cerebral cortex تجاه القشرة الرماديه الخارجية المسئولة عن اللغة والوعي، وبمجرد انطلاق تلك الإشارات المسماه بالمغازل نكون قد دخلنا في المرحلة الثانية من النوم.
يعتقد الكثيرون أن الدماغ يتوقف عن النشاط أثناء النوم ولكن العكس تماما هو ما يحدث حيث يصبح الدماغ في اعلى نشاطه، ولكن بشكل مختلف؛ حيث تعمل تلك المغازل على تثبيت المعلومات المكتسبة حديثا وربطها بالذاكرة طويله المدى.
صمم الدماغ اليقظ لجمع المنبهات والمعلومات الخارجية، بينما يتجلى دور الدماغ النائم في تثبيت كل ما قام الدماغ النشط بجمعه من معلومات أثناء النوم ينتقل الدماغ من التسجيل إلى التنقيح؛ حيث يقوم بتنظيم الذكريات فيحتفظ بما يراه مستحقا بالاحتفاظ ويتخلص مما يرى أنه ليس جديرا بالاحتفاظ، ولكن ليس من الضرورى أن تكون تلك الاختيارات صحيحة.
يعزز النوم الذاكرة بشكل كبير ويحافظ على صحة الشبكة العنكبوتية المخية مما يحمى الإنسان من الزهايمر والخرف وضعف التركيز.
يبلغ طول المرحلة الثانية 50 دقيقة من 90 دقيقة الأولى من دورة النوم الليلية،عندها يهدأ الجسم وتقل درجة حرارته الأساسية وينخفض معدل النبض ويندثر ما تبقى من الوعي بالمحيط الخارجي، عندها نبدأ الغوص في أعماق النوم حيث المرحلتين الثالثة والرابعة، وهما يشكلان الجزأين الأعمق من النوم.
وهو ما سوف نكتشفه في الحلقة القادمة بمشيئة الله.