القاهرة 17 فبراير 2021 الساعة 07:06 ص
المحرر الفني
"الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية" همذا وصفه بابلو بيكاسو، فهل يمكن للفن في زمن كورونا أن يفعل ذلك؟ هل يمكن مواجهة الخوف والقلق الوجودي من الموت الرابض وراء مصافحة تصافحها لصديق أو نفس يدخل صدرك في مكان مزدحم أو ملامسة باب مكتبك أو حتى باب المصعد أو المترو هل يمكن مواجهة هذا الخوف الإنساني بالفن؟ هل يمكن أن يتمكن الفنان التشكيلي مثلا من تصوير تلك المخاوف الإنسانية التي تلاحق الإنسان منذ أن يخرج من بيته وحتى يعود إليه، ليست المخاوف على النفس فقط، وإن وجب الخوف عليها، بل الخوف على الأهل، الأولاد والزوجة وربما الأم والأب إن كان هناك تواصل يومي بهما. إنه خوف من مجهول صغير لا يرى بالعين، ولا يعرف متى يهاجم ومتى تظهر آثاره! هكذا.
إنه خوف من مجهول غامض ، ومحاولة لخلق بصيص الأمل، خلق بقعة ضوء ولو صغيرة وسط عتمة المجهول المهدد للحياة، إنه البحث عميقا عن دواخل النفس الإنسانية لكشف أسرارها الأكثر عمقا تجاه هذا المجهول المهدد للحياة، كذلك الكشف عن معاني المحبة والإطمئنان والخوف على الأحبة. إنه كشف لما تعانيه البشرية من قتامة الحياة وغموض المصير .
هكذا يحاول الفنان التشكيلي المصري إسلام زكي أن يعبر عن هذه المشاعر الإنسانية ويحولها إلى لوحات تشكيلية معبرة وكاشفة في معرضه القادم"أثر" الذي يقيمه مركز الجزيرة للفنون التابع لقطاع الفنون التشكيلية في قاعة "راغب عياد" وذلك يوم الأربعاء الموافق 24 فبراير في تمام الساعة السابعة مساء، ويستمر المعرض حتى الأحد 11 مارس 2021.
وقد وعى الفنان آثار هذه الجائحة غير المسبوقة على الذات والآخر، الآخر القريب(أهل وأحبة وأصدقاء) الذين يخشى عليهم من نقل العدوى، والآخر البعيد الذي يمكن أن يكون سببا للعدوى دون أن يقصد.
إنه"أثر" فني على وجوه اختارها بعناية؛ في محاولة لكشف عمق الذوات وقلقها الوجودي تجاه العالم.
إنها رؤية فنية مميزة أنجزها في فترات "العزل" حيث توقف الحياة الفنية والثقافية في العالم أجمع، ولكي ينقل إحساسه، وهو معزول عن العالم، وينقل إحساس الآخرين الذين اختارهم ليكونوا أبطالا للوحاته.
إنها محاولة تعويضية في شكل فني عن توقف اللقاءات، ليس فقط اللقاءات الثقافية والفنية، بل حتى اللقاءات الإنسانية مع العائلة والأصدقاء، بل حتى اللقاءات العابرة بأناس مجهولين فى الطرقات. إنها حالة نادرة الحدوث وربما لن تتكر فى حياتنا. هنا أدرك الفنان إسلام زكي أن العالم الذي كنا نعرفه قد اختفى، فحاول تأمل كل ما حوله ومن حوله. حاول أن يتغلغل داخل مكنون بشريتهم فى محاولة لإكتشاف الإطار الرقيق لمضمونها وبث التفاؤل والدفء والونس. إنه بحث جمالي عن أثره داخلهم وأثرهم فيه. البحث عن أثر الذكريات التى جمعته بهم وشكلت حياتهم معاً. البحث الدائم عن زوايا عقله وروحه وجسده في إرتباط وثيق بتلك الشخصيات وأثرها العجيب
هناك ذكريات جمعته بهم تركت فى حياتهم أثرا لا يمحى.
"الأثر" الذى يعيش دوماً ونلتفى به كل يوم معهم. هناك مواقف شكلت حياتهم معاً حتى صار إيقاعهم جزءا من حياة الفنان. حتى أصبح يرى بعيونهم أحياناً.
يظل الأثر فى الوجدان يحمل أعماقاً لأزمنة قريبة تمثلت فى الفضاءات الداكنة والسوداء معبرة عن تيار المشاعر والأحاسيس وموجات الإنفعال ،رغم إختزال الملامح فى بعضها فى حوار فنى ولمسة عميقة تستحضر مكنون الشخصية. تلك المصادر الملهمة ما زالت تشحن تجارب إسلام زكي الفنية.