القاهرة 11 فبراير 2021 الساعة 03:48 م
بقلم: وائل سعيد
لا شك في أن ما شهدناه العام الماضي من تجميد للحياة العادية قد أثر على كل القطاعات بما فيها السينما بالطبع، التي تعتمد بشكل أساسي على تواجد الجمهور، الأمر الذي لم يتحقق كما ينبغي طوال العام بسبب الكورونا، حيث تعرضت قاعات العرض إلى الإغلاق لفترات طويلة ثم الفتح الجزئي.. وهكذا.
إلا أن ذلك الجمود لم يمنع الخريطة السينمائية المصرية من مشاركتها السنوية ولو على استحياء، حيث بلغت الأفلام المعروضة في 2020 "23 فيلما" للمصادفة وافق عرض فيلمي البداية والنهاية – أول وآخر يوم في السنة – "دفع رباعي 1 يناير – إخراج إيهاب عبد اللطيف"، و"صابر وراضي31 ديسمبر – لأكرم فريد".
من بين نتاج عام الوباء، حظيت خمسة أفلام بالعرض قبل ظهور أول حالات الفيروس بالأقصر، حيث تزامن ذلك مع فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان الاقصر للسينما الأفريقية، وكان فيلم "صندوق الدنيا لعماد البهات" هو الأخير الذي شهدته السينما قبل فترة الغلق الأولي، بجانب ذلك أفلام "راس السنة – لص بغداد – بنات ثانوي" وفيلم "يوم وليلة".
عقب عرض الفيلم عُقدت بعض المقارنات بين الراحل خالد صالح وخالد النبوي في أداء دور أمين الشرطة، الذي جسده الأول بشخصية "حاتم" في فيلم "هي فوضي 2007" والأخير بشخصية "منصور" في فيلم "يوم وليلة" إخراج أيمن أكرم وبطولة جماعية لأحمد الفيشاوي ودرة وحنان مطاوع.
مثل هذه المقارنة لن تكون في صالح خالد النبوي على الإطلاق؛ ليس فقط لبراعة أداء خالد صالح واحتكاره لشخصية الأمين "حاتم" في ذاكرة المشاهد، بل ترجع لعبثية المقارنة لما قام به خالد النبوي نفسه في تقديم شخصية "منصور" أمين الشرطة ابن البلد، الذي يلعب بالبيضة والحجر، ويبدو ذكاؤه الحاد في تعاملاته مع الجيران وأبناء الحي – السيدة زينب – ومع زملائه في القسم والمحتجزين والمرشدين.
يلعب الفيلم على ثيمة الحدث الواحد الكبير ومن حوله عدة أحداث موازية تمثل السياق الدرامي للأحداث. وذلك من خلال الليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب، حيث لا يتعدى زمن الفيلم يوم الاحتفال، بدءًا بطقوس الاستعدادت المبكرة من خلال لقطة بانورامية عامة "درون" لمسجد السيدة من أعلي تأخذ في الهبوط كاشفة لحاراتها، فتظهر بعض الفرق الموسيقية المستقلة تسير في حواري السيدة وسط تفاعل الأهالي، ثم بالأمين منصور "خالد النبوي" وهو يستقبل يومه بالغناء مع وردة بأحد الكوبليهات من أغنية "يوم وليلة" أثناء ريه للزرع في شرفته، وينتهي الفيلم بالاحتفال الكبير للمولد، وقد انصهر الجميع وتلاشت حكاياتهم في هذه الليلة الكبيرة.
ربما أراد السيناريو تقديم صورة غير نمطية لأمين الشرطة، بداية من الاسم "منصور" وما يحمله من دلالات، سيما بعد اكتمال رسم الشخصية عبر المشاهد كرجل مباديء وأخلاق، تتضح في تعامله مع الخارجين عن القانون في نطاق دائرة القسم التي يخدم بها، فيأتي بالحقوق لأصحابها ويقف مع بعض الشباب المستخدمين بسبب العوز "أحمد الفيشاوي"، وفي نفس الوقت يحافظ على إخلاصه لزوجته المتوفية، ويعاني في تربية طفلته؛ من أصحاب القدرات الخاصة، بمشاركة والدته المتذمرة منها طوال الوقت.
ليس هناك مانع في أن نرى أمين الشرطة يغني ويهتم بري الزرع وحمل هم ابنته المريضة وسط طبيعة عمله الشائكة بجانب وقوفه – الأخلاقي – مع أصحاب الحقوق ومحاولات إرجاعها بالتحايل أو التراضي بين الأطراف بعيدًا عن الإجراءات القانونية؛ لكن المانع هنا يأتي من التأكيد علي ملائكية هذا الأمين المتعارضة مع الصورة التقليدية المعروفة في معظم الأفلام، وكي تكتمل الصورة تنتهي الأحداث بتواطؤ منصور مع رؤسائه حول عملية رشوة وهمية للإيقاع بتشكيل عصابي، فنجد أنفسنا حيال ضدين متناقضين في التعامل مع الشخصية، فإما أن يكون الأمين متورطا في الخروج على القانون واستغلال سلطته؛ أو هو ملاك يمشي علي الأرض، أليس هناك صورة وسطية تقدمه لنا كفرد عادي مثل بقية الأفراد، يفعل الخطأ والصواب جنبا إلي جنب!
علي جانب آخر، لم تقدم بعض الشخصيات المطروحة أي فائدة للسياق الدرامي سوى على مستوى الاستخدام المتكرر للوعي الجمعي الشائع أو الشعبي، بغرض توسيع الحبكة الدرامية بأكبر قدر ممكن من الشخصيات؛ "شريف وزوجته" الأغنياء العائدان من الخارج والناقمان علي الأوضاع المعيشية في البلد والصورة التقليدية لمدرس ابنتهما الإخواني، "موظفة الشهر العقاري "أرين" المسيحية حنان مطاوع التي تعاني من استحالة حصولها علي الطلاق وفي نفس الوقت تتبادل المشاعر مع أحد زملاء المكتب – علي ديانتها – وسط همهمات جانبية من موظفات المكتب المتشحات بالحجاب – الأقلية المسيحية في مقابل الأغلبية الإسلامية – رغم أن المكتب بكامله يتقاسم الخمسين جنيها المفروضة على كل مواطن يتقدم لإنهاء أوراقه ويُطلب منه صراحة وضعها في درج المكتب قبل تقديم الطلب.
كما يتكرر الأمر مع الأخ الأكبر لمطاوع "ميشيل"، كمدرس مسيحي يتم التنمر به – وجها لوجه – واضطهاده من أحد المدرسين – المسلمين – "محمد جمعة" في المدرسة، في مشهد مقابلته للأخت وهي تطلب من أخيها مبلغا ماليا لعلاج الأم، ونرى المُدرس يحدجها بنظرة نارية وحين تندهش من ذلك يطلب منها أخوها – المنصاع – الرحيل فيما يردد الموظف "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" أثناء رحيلها. ثم يأمر الفراش بكسر كوب الشاي الذي كانت تشرب منه، مؤكدا عليه عدم خلط أكواب النصارى بأكوابهم. وتكتمل الميلودراما المرجوة بأن نكتشف أن "وفاء" أخت منصور – المسلمة – على علاقة بالأخ الأصغر لأرين المسيحي.
في نهاية الفيلم نقف مع "شريف وزوجته" وهو يوبخها لانتقادها الأوضاع المجتمعية للبلد وإصرارها علي الهجرة مجددا، مشيرا إلى أن هواء هذا البلد لا تستأهله، وأن مظاهر معيشتهما الرغدة لم يكونا لينعما بها لولا وجودهما في مصر، يعقبه رد – توجيهي – لأحد أعضاء مجلس الشعب السابقين من الريفيين، "رضوان بيه" سامي مغاوري، أثناء لقاء تليفزيوني علي مزاعم بعض الأغنياء أو الرأسماليين فيما يخص الهجرة خارج البلاد، وبأن ذلك لن يقف عقبة أمام سياسات الحكومة الراسخة؛ التي يؤكد عليها النائب بشكل تهكمي بأن "مصر فوق الجميع"، وبأن الحكومة مع فكرة التغيير، رغم ما يطرحه من تاريخٍ طويل في الحكم من خلال التوريث المتتابع لأسرة النائب باعتباره تأكيدا على التغيير؛ حيث يتم التداول بينه وبين وأخويه في عضوية المجلس في دوراته المختلفة.
وكما بدأ المخرج يُنهي الفيلم، باللقطات المتتابعة لمصائر الشخصيات بجانب انتظار حبايب السيدة بدء المولد، وانتصار الأمين منصور علي التشكيل العصابي بقضية الرشوة، ثم استكانته مع ابنته المريضة يمشط لها شعرها ويعدها بدخول المدرسة مُرددا أغنية "الليلة الكبيرة" كي تنام.