القاهرة 09 فبراير 2021 الساعة 04:15 م
بقلم: د. هبة سعد الدين
ارتبط في أعيننا بملامحه شديدة المصرية التي جعلتنا نراه عبد الهادي في رائعة عبد الرحمن الشرقاوى ويوسف شاهين "الأرض"، وعاشور الناجي المدافع عن العدل فى "التوت والنبوت"، وكان صاحب "اختيار" يوسف شاهين والضابط الذي يرى اللصوص وعجز عن مواجهتهم في "أهل القمة"، لقد تنوعت اختياراته فكسرت فكرة انحصاره في نمط فني ما ليقدم أكثر من مائة فيلم سينمائي وأكثر من 80 مسلسلًا إذاعيًّا وتليفزيونيًّا.
ورغم أن البداية شهدت خمس مسرحيات إلا أن عودته للمسرح لم تتجاوز مسرحيتين عام 1973 و 1974 وامتد الغياب ليعود في التسعينيات بـ"أهلاً يابكوات" و"وداعا يا بكوات" ولتكون "زكي في الوزارة" آخر مسرحياته 2008.
كانت البداية مع فرصة فيلم "رسالة من امرأة مجهولة" عام 1962 والذي كان بمثابة بدايته السينمائية، انطلق بعدها لتتنوع الأدوار ما بين المعلم.. المقاتل.. الأستاذ.. الفتوة.. الفلاح.. المريض النفسي... الضابط وغيرها الكثير.
تعددت الوجوه
كان من الممكن أن تحاصر عزت العلايلي ملامحه شديدة المصرية وتجعله حبيسًا لبعض الأدوار؛ لكن المفارقة أنه تجاوزها بهدوء شخصيته وعمق اختياراته وعدم استسلامه لما كان من الممكن أن يكون، فلم يغره نجاحه مع يوسف شاهين في "عبد الهادي" في رائعة "الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، وبعدها "الاختيار" الذي يعتبر نقلة إبداعية ما بين أعمال شاهين ذاته ثم "اسكندرية ليه"، ولم يكتفِ بحسن الأمام وثلاثية المحفوظ؛ فانطلق ليتعاون تقريبا مع الجميع لدرجة بطولة الفيلم الوحيد ممدوح شكرى "زائر الفجر" الذي واجه الكثير من المشكلات لدرجة غيابه من العرض عامين! وبطولته "ليله عسل" (منى الصاوى/ محمد عبد العزيز) كمساحة كوميدية خاصة، وتلك الإثارة في "على من نطلق الرصاص" (رأفت الميهى / كمال الشيخ) و "خائفة من شيء ما" (فتحى أبو الفضل /يحيى العلمي) ذلك التنوع فى الأسماء مابين الكتاب والمخرجين الذى استمر طوال المشوار؛ أشار بصورة مباشرة لتنوع المدارس الإخراجية التي تركت بصمتها على أدائه والكتابات التى تركت له مساحات ليبدع ويتجاوز الحدود كافة.
العلايلي رواية
كانت بدايته المميزة مع " بين القصرين" كوجه شاب وطني يناضل في تلك الفترة وتبعه بعد سنوات "عاشور الناجي" في "التوت والنبوت" ليطرح الأفكار الفلسفية لمحفوظ والسياسية حول الحرافيش التي تم تقديمها في أكثر من فيلم وقدمها بصورة مختلفة الفتوة عن غيره من النجوم؛ فهدوء وعمق العلايلي وحواره عن العلاقة ما بين الحق والقوة جاء بالجديد! ما بين الثلاثية والحرافيش و"أهل القمة".
توالت بطولته للعديد من الأفلام السينمائية التي كان مصدرها عددًا من الروايات التى تعد علامات في حد ذاتها، ويضعها تحويلها كأفلام سينمائية في اختبار فني، فها هي رواية يحيى الطاهر عبد الله "الطوق والأسورة"، و"السقا مات" ليوسف السباعي، و"الأرض" لعبد الرحمن الشرقاوي، و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، وليس مصادفة أن يكون آخر أفلامه "تراب الماس" المأخوذ عن رواية أحمد مراد 2018.
انحاز لأفكاره
المتتبع لأدوار عزت العلايلي والمتابع لحواراته وتصريحاته سيرى تلك العلاقة ما بين اختياراته الفنية على مر الزمن وتقاطعها مع أفكاره، فهل كانت مصادفةً أن يرى أنه مثل "إبراهيم" شخصيته في فيلم "بين القصرين" (نجيب محفوظ / حسن الإمام) في جموحه في التعبير عن أفكاره وعدم تقبله لأي رأى مغاير في شبابه، وهل كان صدفةً أن يقدم الفلاح عبد الموجود في "المواطن مصري" (يوسف القعيد/ صلاح أبو سيف) ومشهد تحية ناصر في أحداث الفيلم عندما سلمه الخمسة فدادين؛ امتدادًا لنضاله الوطني وإيمانه بهذا الزعيم، لذلك ليس غريبًا أن يكون الضابط محمد فوزي في "أهل القمة" (نجيب محفوظ ومصطفى محرم/ على عبد الخالق) وما تمثله تلك الفترة من تحولات ووقوفه بصورة واضحة مع اللص الصغير، لذلك يعد قبوله مشاركة مجموعة من الشباب في فيلم "الطريق إلى إيلات" (فايز غالي/ أنعام محمد على) بأجر زهيد امتدادًا لإيمانه بالوطن. وكذا مشاركته ثنائية "اختيار" يوسف شاهين لتظهر التساؤلات بداخله على الشاشة، لقد جاءت الأدوار التي قدمها وكأنها محطات إنسانية بداخله على مر الزمن بقدر ما كانت سينمائية أو فنية فى حياته.
لقد اجتهد العلايلي طوال مشواره الفني وخاصة السينمائي لدرجة أنه قدم عام 1986 أحد عشر فيلما يكفيه أن يكون بينها "الطوق والأسورة" و"التوت والنبوت"، ذلك الدأب والاجتهاد والاختيار جعله مشاركًا في عشرة أفلام ضمن أفضل مائة بالسينما المصرية وهي: "بين القصرين، قنديل أم هاشم، الأرض، الاختيار، زائر الفجر، على من نطلق الرصاص، السقا مات، إسكندرية ليه؟، أهل القمة، الطوق والإسورة"، ذلك الاجتهاد والإبداع ترك لنا تراثًا يجمع ما بين الكم والكيف معًا.