القاهرة 02 فبراير 2021 الساعة 10:22 ص
ترجمة: أسامة الزغبي
فقد الاستعراب الإسباني أحد أهم أعمدته وهو الفقيه اللغوي فيدريكو كوريينتي عن 79 عامًا في منتصف العام الماضي والذي كان معجمه الذي يحمل اسمه من العربية إلى الإسبانية بمثابة مؤسسة متكاملة لأربعة أجيال من المستعربين الإسبان.
ربما يجهل الكثيرون الآن شعور السعادة الذي غمرنا عندما ظهر هذا المعجم بمساعدة مشكورة من معهد الثقافة العربيِ الإسبانيِ بمدريد. فقبل ظهوره كان يتعين على الطلاب القليلين بطبيعة الحال في تلك الأوقات الذين يريدون التعمق في دراسة اللغة العربية اللجوء إلى المعاجم الفرنسية -العربيةَ وبدرجة أقل الإنجليزية- العربيةَ أو الألمانية – العربية والتي كان من الصعب الوصول إليها. كان البحث في تلك المعاجم يمثل معاناة قاسية من أجل الوصول إلى إحدى نسخها النادرة في المكتبات الجامعية في تلك الأثناء. لمعرفة مدى أهمية هذا المعجم لأوساط الاستعراب الإسباني تجدر الإشارة إلى أنه طيلةَ خمسة قرون كاملة منذ أن نشر بيدرو دي ألكالا معجمه المُعنون "المفردات العربيةَ باللغة القشتالية" في 1505 والذي قام كورينتي بتحقيقه بنفسه في عام 1988 لم يُنشر معجم إسباني ـ عربيٍ، وذلك باستثناء جهود بعض المبشرين في الأرض المقدسة وشمال أفريقيا والتي كانت محدودة القيمة.
بفضل هذا المعجمِ لم تتم دمقرطة تعلم العربية فقط، بل تم تحديث الاستعراب الإسباني بشكلٍ كامل وتصالحت إسبانيا الأكاديمية قليلا مع جزء من تاريخها، حتى وإن كان كوريينتي نفسه وكذلك الأكاديميات الإسبانية غير مدركين لحقيقة ذلك الأمر في ذلك الوقت. استغرق الأمر الكثير من السنوات كي تتغير بعض الأمور والآن لدينا العديد من المعاجم ثنائية اللغة بين الإسبانية والعربية.
تم اختيار كورينتي في عامِ 2017 كي يشغل المقعد K في الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية. في خطاب افتتاحية عضويته بالأكاديمية خصص جزءًا قيمًا للحديث عن الكلمات العربية المستخدمة في ألعاب الأطفال وكذلك الشتائم. ورُغم سعادته بعضوية الأكاديمية إلا أنه وجّه إليها انتقادًا مفاده أنها قد شاخت، وأضاف أيضًا أنه ربما بسبب كبر سنه لن يستمر طويلًا في العمل بها.
برحيله، نفقد أفضل فقيهٍ لغوي إسباني متخصص في العربي الأندلسيِ، حيث أسس في الستينيات نظاما وقف حجرة عثرة في وجه المستعربين الإسبان والمؤثرين جدًّا في ذلك الوقت والذين كانوا يرغبون بشكل واضح في إضفاء الطابع الإسباني على ماضي إسبانيا العربي.
نشر كورينتي أول دراسة نحوية جادة للهجة الأندلسية في عام 1977 بعنوان "مسودة نحوية للعربي الأندلسي" وكذلك أول معجم للعربيِ الأندلسيِ في عامِ 1997 ونشرهم باللغة الإنجليزية. وهو أمر دال على ماهية إسبانيا بين الماضي والحاضر، إسبانيا الأخرى التي تصلي وتعمل في آنٍ واحدٍ, البعيدة عن الصخب وكوزموبوليتانية الطابع دائما.
ولكونه سباقًا دائمًا فقدْ ترأس ما أصبح يُعرف بمرور الوقت تداخل التخصصات في الدراسات العربية. فلقد سمح له تفقهه اللغوي بسبر أغوار كل من اللغات السامية والرومانسية.
قام بنشر عمله المعجز المصطلحات العربيةَ واللغات الرومانسيةَ في عام 1999، وترجم أيضا المعلقات والتي تعدُ قدس أقداس اللغة العربية بعد القرآن الكريم. وتصدى أيضًا بجسارة للموضوع الشائك أكاديميًّا وهو معرفة أصول فن الزجل والخرجات الشعرية وهل تعود للجزيرة العربية أم للأندلس؟
فيدريكو كوريينتي من مواليد غرناطة ولكنه ذكر في إحدى المرات بأنه يشعر وكأنه ينتمي لجزر الكناريا وهي مقولة صحيحة من الناحية البيولوجية ولكنها تحمل دهاءً جغرافيًّا في نفس الوقت لأنه من خلال جزر الكناريا يمكن رؤيةَ قارتي أفريقيا وأمريكا وهما القارتان اللتان قضى بهما جزءًا مهمًّا منْ حياته المهنية حيث عمل بمصر والمغرب وأيضا قام بالتدريس في الولايات المتحدة والبرازيل قبل أن ينغمس في متاهة الجامعة الإسبانية حيث عمل أستاذًا في جامعة سرقسطة وهو المكان الذي قضى به جل عمره بل ومات به، وأيضًا لبعض السنوات في جامعة كومبلوتنسي في مدريد وهي التي حصل فيها على درجتي الليسانس والدكتوراه في فقه اللغات السامية.
* نُشر هذا المقال فى جريدة الباييس الإسبانية فى 17 يونيو 2020، والترجمة بتصريح خاص من كاتبته الدكتورة لوث جواميس (luz G?mez) أستاذة الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأوتونوما بمدريد.