القاهرة 26 يناير 2021 الساعة 11:05 ص
بقلم: د. هبة سعد الدين
رغم مساحة إبداعها التي لا تخطئها الذاكرة مابين السينما والتليفزيون وقلمها الذي ارتبط بالرومانسية؛ خاصة فيلمها "حبيبي دائما" للمخرج حسين كمال والذي أصبح أيقونة الحب والاحتفاء به والكثير من الأعمال؛ إلا أن أكثر ما يميز الكاتبة "كوثر هيكل" في رأيي والتي رحلت عن عالمنا منذ أيام؛ احتفاؤها بثقافة السينما واهتمامها بظهور مجموعة من البرامج السينمائية أثناء قيادتها عدة مناصب في التليفزيون المصري، والتي لم تتكرر كما وكيفا وكان أهمها برنامج "ذاكرة السينما" الذي أعده الناقد الراحل علي أبو شادي، وبرنامج آخر ظهر للمرة الأولى عن السينما التسجيلية وقدمه المذيع الراحل عبد الرحمن علي، تلك البرامج قدمت لأول مرة على شاشة التليفزيون المصري كنوز السينما المصرية الروائية والتسجيلية التي عُرضت للمرة الأولى وصاحبها مناقشات متعددة للجمهور المهتم وغير المهتم؛ لتنشأ حالة لم تتكرر من الثقافة والاهتمام بالسينما منذ التسعينيات، تلك الحالة ساهمت في نشأة أجيال على درجة من الوعي عندما قام التليفزيون المصري بدوره من خلال إحدى قياداته التي أدركت دورها وقامت به على أكمل وجه.
وعلى الرغم من ارتباط قلم كوثر هيكل بالسمة الرومانسية؛ إلا أن المدقق في أعمالها سيجد ذلك انتقاصا من رصدها لعالم المشاعر الإنسانية بسماتها كافة ومشاركتها سيناريو فيلم "امبراطورية ميم" مع محمد مصطفى سامي وقصة وحوار إحسان عبد القدوس والرؤية السينمائية للأديب نجيب محفوظ؛ خير دليل على ذلك فتلك المساحة من التكامل الإنساني والرؤية الواقعية والمناقشات ذات الأبعاد الفلسفية تجاوزت حدود الرومانسية، ومشاركتها للمخرج حسين كمال العديد من الأفلام دليل آخر على ذلك من خلال (العذراء والشعر الأبيض/ دمي ودموعي وابتسامتي/ على ورق سوليفان)، تلك الأعمال التي كتبها إحسان عبد القدوس ويوسف إدريس تطرح الواقع والرؤى ذات الأبعاد الإنسانية؛ وقد يكون ارتباطها بإخراج حسين كمال نظرا لأن البداية كانت من خلال إخراجه لإحدى قصصها "الحب الكبير" التي تحولت إلى سهرة تليفزيونية عام 1962 بعنوان "لمن نحيا"، وهكذا نجحا معا في ترك بصمة مختلفة تراها العين في تلك الأعمال.
لقد تنوع إنتاج كوثر هيكل منذ البداية ما بين الكتابة والسينما التسجيلية والأفلام الروائية ماجعل قلمها يمتلك مساحته الإنسانية، وجاءت أعمالها كافة كعزف منفرد في مناطق خاصة مسلسلات (عصفور فى القفص، اللحظات الأخيرة، حكاية كل زوج، مفترق الطرق، لقاء، الأب الثاني) والتي اختتمتها بمسلسل "على نار هادية" للمخرج عبد العزيز السكري وفيلمها "العاشقان" وهو الإخراج السينمائي الوحيد للفنان الراحل نور الشريف عام 2001، وكأنه إعادة رؤية ولقاء لعاشقي "حبيي دائما" مرة أخرى بعد مرور الزمن ونظرة للتحولات كافة التي حدثت في المجتمع المصرى ما بين بساطة الفروق الطبقية بين فريدة والدكتور إبراهيم، نحو التغييرات التي ألقت بظلالها على كل شيء خاصة الحب.
لقد رحلت كوثر هيكل تاركة أعمالا يمكن أن تؤرخ للإنسان المصرى والمجتمع وعلاقة كل منهما بالآخر ورصيدا خاصا من البرامج التى دعمتها لتصبح كنوزا لماسبيرو، الذي سيظل شاهدا على التزامها في الأدوار كافة التي قامت بها مبدعةً ورئيسة ذات رؤية، وتجعلنا نترحم على ذلك الزمن ونتمنى أن يجود علينا الزمن مرة أخرى بمثلها.