القاهرة 26 يناير 2021 الساعة 10:45 ص
كتبت: هبة صبحي العسكري
شاهدنا جميعنا الفيلم الشهير"الفيل الأزرق"، وتعجبنا من قصة القميص االمسحور التي وردت بالأحداث، ولكن الأعجب أن القصة ليست كلها من وحي الخيال وأن القميص السحري له قصة حقيقية يمكننا اكتشاف ملامحها في صفحات التاريخ!
في البداية أحب أن أوضح أنه ليس قميصا واحدا بل حوالي تسعة قمصان مسحورة!
وسوف نجد لدينا نُسخة منه محفوظة حاليا في مُتحف الفن الإسلامي الواقع في منطقة باب الخلق.
ولكنه ليس قميص المأمون (القميص المسحور)، إنما يبلغ عُمر القميص المسحور حوالي 349 عاما، كان له شهرة عظيمة في الحروب خلال العصور القديمة ويعود تاريخه لعصر الدوله الصفوية بإيران.
يُطلق على هذا النوع من القُمصَان لقب "القمصان المسحورة" وتوجد في مصر وتركيا وإيران وألمانيا وإيطاليا وترفض تلك الدول بيعها لكونها قيمة أثرية وتراثية كبيرة.
كانت الخرافات والقصص السحرية، تملأ حياة الناس حتى آخرها، وقد وصل الأمر بهم أنهم كانوا مقتنعين تماما بحقيقة هذه الخرافات، وأنه لمن الغباء الكبير عدم تصديقها أو التعامل معها على أنها مجرد "خرافات".
وكانت العديد من التمائم والعقود والخواتم والأطباق وأيضا القمصان الحريرية الخاصة التي كان يُعتقد بأن لها "تأثيرا سحريا"، تحمي الإنسان من أشياء خطيرة، أو تمنحه الخير الكثير، وفي عصرنا الحديث أصبحت هذه الأمور من أكثر الأشياء المشوقة التي عرضتها شاشات السينما للجمهور.
وربما من أبرز هذه القصص والتمائم "القميص السحري"، المعلق بالوقت الحاضر في قاعة الطب في متحف "الفن الإسلامي" في القاهرة، والذي كان يعتقد قديما أن كل من ارتدى هذا القميص أصابته "لعنة"، الأمر الذي دفع العديد من الناس للسؤال عن هذا القميص المُعلق في المتحف، والبحث عن حقيقته، وذلك لتصميمه العجيب والغريب، الممتلئ بالطلاسم والرموز.
ولكن أغلب مالا يعرفه الكثير عن هذا القميص أن هذه "القمصان السحرية"، التي كانت تصمم قديما للملوك والسلاطين، سواء في الدولة العثمانية أو الصفوية أو المملوكية، كانت تصنع لأهداف "ظاهرية وخفية" معا.
فكان المصريون يصنعون هذا "القميص السحري" قديما من مادة الـ"كتان"، وقد صممه "المشعوذون" ليكون مُغطى بالعديد من الزخارف الهندسية الدقيقة المستطيلة وداخلها مربعات وبعض الأشكال الدائرية، كما يوجد داخل كل منها كتابات عبارة عن "آيات قرآنية" وأرقام وتعاويذ سحرية مكتوبة بالمدادين الأسود والأحمر، وكُتب في أعلاه اسم على مرتين.
ولكن هل بالفعل آخر منْ ارتداه مات مقتــولا؟ وهل كان يعود فعلا إلى الخليفة "المأمون" كما ذكرت رواية الفيل الأزرق؟
ليس صحيحا، فهو بالحقيقة يعود إلى سلطان الدولة الصفوية "صفي الثاني بن عباس الثاني"، المعروف باسم سليمان الأول، والذي كان يشتهر بأنه كان رجلا "منحوســـا"، وعندما ساءت حالته الصحية ولم يعد قادرا على إدارة أمور الحكم في البلاد كان يرتدي هذا القميص بصفته "سحريا"، وأنه قد يساعده فيما يعيشه ولكن القميص لم ينفعه بصحته ولا بحكمه.
والحقيقة أيضا أن هذا "القميص السحري" المُعلق بالمتحف له قصة مثيرة أخرى!
فقد نال شهرة واسعة بين الناس في السنوات الأخيرة، وكثرت الحكايات والأساطير حوله؛ حيث توجد عليه بقـع من الدماء، مما يدل على أن آخر من ارتدى هذا القميص كان قد مات مقتولا، ولم تحمه الكتابات الدعائية والسحرية والطلسمية من القتل!
ويعتقد أن القميص كانت قد توارثته الأجيال حتى قرر واحد ممّن امتلكه أن يتخلص منه، وهو بحسب الروايات التاريخية "مصطفى بك شمس الدين"، الذي قرر أن يتخلص من القميص بأي ثمن فاشتراه منه "ماكس هرتز" كبير مهندسي لجنة حفظ الآثار العربية القديمة بملغ 5 جنيهات مصرية فقط وأهداه إلى متحف الفن الإسلامي قبل أن يرحل عن مصر خلال العام 1914.
ويُشار إلى أنه في الوقت الحالي، لم يبق في العالم سوى تسعة قمصان سحرية فقط، يوجد منها قميص واحد في متحف الـ"متروبولتان" في الولايات المتحدة الأميركية، وثلاثة قمصان أخرى في متحف "طوب قبو سراي" في تركيا، وخمسة قمصان في متحف الفن الإسلامي في القاهرة واحد منها فقط متاح للعرض، والباقي في المخازن من أجل الترميم.