القاهرة 19 يناير 2021 الساعة 08:52 ص
بقلم : د.هبة سعد الدين
عادة ما نبحث في قراءتنا للحوارات الصحفية عما قيل بصورة مباشرة، ندقق في التفاصيل ونلهث خلف الكلمات على لسان المحاور معه علّنا نحصل على تصريح يفك رموز الأسرار أو كلمة تكشف عالمًا لم نره وكشف الستار عن المفاجآت والخفايا، ولكن هذا العصر بكل تطوراته المتعلقة بالصحافة والميديا والفنون بصورة عامة جعلنا نتجاوز كل ذلك ونفكر في الجديد.
لذلك عندما نقرأ حوارات الكاتب الصحفي خيري حسن نادرًا ما نجد تصريحات معتادة حيث تختفي معه المفردات المنطوقة بصورة كبيرة وتتراجع أمام حالة الوصف؛ هذا الوصف لايقتصر على المشاعر أو المكان أو التفاصيل المجردة بل يمتد ليقدم صورة سينمائية بامتياز.
لذلك يعد كتابه "ياصاحب المدد/ سيرة شاعر ومسيرة وطن" الذي صدر مؤخرًا عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع؛ امتدادًا لأسلوبه الذي صنع حالة تمنحنا السمع والرؤية والشعور والتذوق والشم واللمس في آن واحد، فها هو الشاعر الراحل زكي عمر طفلًا وشابًّا وشاعرًا الذي لقب بشاعر نصر أكتوبر؛ يتحرك في كل مكان وهو يهتف: "مدد.. مدد.. شدي حيلك يا بلد"، وهي من المسرحيات الغنائية المهمة في الستينيات التي كانت تخلق حالة من الالتفاف حول الوطن، لتهتف خلفه الجماهير في كل محافظات مصر، خاصة في جامعاتها ومعه الفنان محمد نوح يهتفان "مدد.. مدد" في الفترة التي نشطت فيها الحركة الطلابية للضغط على القيادة السياسية من أجل القتال واستمر عرض المسرحية حوالي أربعة أشهر، وها نحن من خلال الكتاب على موعد وكل اللحظات بدءًا من مولده وانتهاءً بقصيدته التى سُرقت "مدد مدد.. شدي حيلك يابلد" وحرب "خيري" النبيلة لإثبات ملكيته الفكرية لها، وقد امتزجت حياته بفترة ما قبل الحرب حيث هزيمة 1967، وما تبعها حتى نصر أكتوبر لتمتزج معاناته بتاريخ الوطن.
لقد شهد هذا العصر "مزجًا" ما بين الفنون فلم يعد لكل منها مساحته الخاصة، فالحوار إن اكتفى بتقسيماته المعتادة أو جمع بينها لن يقدم ما يجعل القاريء يحرص على المتابعة، لذلك يعد تنوع الأدوات والمزج بين الفنون جانبًا من البقاء حتى لا يصبح كل شيء مملًّا ويحمل المزيد من الخسارة.
وقد استطاع خيري حسن في حواراته تحقيق مساحته وصنع عالم يتشابك مع جمهوره فيلتقيان! وذلك ما جعل القراءة لحواراته وللكتاب ممتعة من خلال القلم الذي تحول إلى كاميرا سينمائية متطورة يمكنها إعادة الرؤية والتقاط اللحظة وتقديمها.
لذلك؛ مع تصاعد المناقشات حول وجود الصحافة الورقية ومنافسة ابنة أختها الإلكترونية، وظهور المنافذ التي تهددها، يصبح الابتكار والإبداع هو المنفذ الوحيد للبقاء، فالشكل التقليدي للحوار أو توثيق السيرة الذاتية لم يعد له مكان وسيضيف المزيد من معاول الاختفاء، فالصورة السينمائية التي جاءت في تلك الكتابات لتوثيق مسيرة الشاعر صاحب المدد زكي عمرو التي تنقل معها الكاتب الصحفي ذو القلم السينمائي خيرى حسن وسبقه بعدة كتب: "أبي كما لم يعرفه أحد"، "أرواح على الهامش" كلها كتابات جاءت بعالم إبداعي صنع بإتقان يمكنه أن يطرح أبوابًا للبقاء.