القاهرة 19 يناير 2021 الساعة 08:42 ص
كتب: أكرم مصطفى
يظل كتاب "طوق الحمامة في الأُلفَةِ والأُلَّاف لابن حزم الأندلسي" من أهم وأشهر كتب التراث التي عالجت موضوع الحب، وما يتركه في نفس الإنسان من بهجة وسعادة، لكن هل الحب الذي هو طبيعة إنسانية فطرية؟ حقيقة الأمر لقد كشف هذا الكتاب أسرار الحب وما يجلبه من أفراح وأتراح، فما أن يُصاب الإنسان بالحب، إلا وتتغير حاله، وتتبدل شئونه؛ فالحب له قوة سحرية تفعل في الإنسان الأفاعيل، والإمام "أبو محمد ابن حزم" في رائعته "طوق الحمامة" يغوص في أسرار سر الحب الذي خُلِق مع الإنسان، فيُخرِج لنا أصوله، ويُعرفنا على أعراضه ونواحيه، وصفاته المحمودة والمذمومة، وكذلك الآفات التي تدخل على الحب وتلازمه، مُورِدًا بين ثنايا كتابه بعض القصص التي عاينها بنفسه عن الحب وأبطاله، ثم يختم رسالته الغنية هذه بأفضل ختام؛ وهو: قبح المعصية، وفضل التعفف؛ ليكون قد أحاط بالحب من كل جوانبه.
وقد تم تحقيق وتنقيح هذا الكتاب ونُشر عشرات المرات، وأخيرًا تقوم الدار المصرية اللبنانية بإصدار نسخة من الكتاب، فهو كتاب يمثل رافدًا مهمًّا من روافد الكتب التي تعالج المشاعر والأحاسيس الإنسانية.
كتاب "طوق الحمامة" له مخطوطة وحيدة بمكتبة ليدن بهولندا، هي التي اعتمد عليها المستشرق الروسي "بيتروف" في تحقيقه للكتاب، الذي ظهرت طبعته الأولى عام 1914، أي بعد نحو تسعمائة سنة من كتابته، ليتوالى صدور طبعاته العربية التي وصلت ا?لى 14 طبعة بين عامي 1930 و 2012.
في الطبعة الجديدة نجد محاولة لا?عادة تقديم هذا الكتاب الخالد بما يليق به من عناية، حيث شُفِع بتصدير علمي دقيق يفيد القارئ العام والباحث المتخصص معًا، اضطلعت به الا?كاديمية د. آمال ا?براهيم، فضلًا عن شروح وافية للمفردات والتعبيرات التي ربما باتت مهجورة أو مغتربة عن معجم القاري? العصري، وهوامش دقيقة بالإيضاحات الضرورية، لتمكين جميع الشرائح من قراءة سلسة لا تقف فيها صعوبات اللغة في بعض المواضع حائلًا أ?مام الاستمتاع بالمتن الثري للكتاب الكبير، ما يجعل من هذه الطبعة الجديدة من طوق الحمامة ا?سهامًا فكريًّا يتجاوز فكرة ا?عادة النشر لا?عادة الاكتشاف.
"طوق الحمامة" رسالة مستفيضة في صفات الحب ومعانيه وأسبابه. كتبه ابن حزم الأندلسي بتكليفٍ من أحد أصدقائه، داعمًا متنه بالأخبار وقصص المحبين من واقع ما شاهده وحدّثه به الثقات من أهل زمانه، كما احتوى على قدر ليس بالقليل من شعر ابن حزم نفسه.
وجاء الكتاب مُقسمًا على ثلاثين بابًا، عشرة في ا?صول الحب، واثنا عشر بابًا في أغراضه المحمودة والمذمومة، وفي الا?فات الداخلة على الحب ستة أبواب، وخُتِم ببابين أحدهما في قبح المعصية والا?خر في فضل التعفف.
ورغم أن فرادته ككتاب لا مثيل له في الحب تكفيه، يُمثِّل طوق الحمامة في الوقت ذاته وثيقةً تاريخية بالغة الأهمية على أحوال الأندلس وما مرت به من أحداث سياسية واضطرابات وفتن في عصر مو?لفه، كما يُعد وثيقة أدبية نستدل منها على شخصية ابن حزم وثقافته وشيوخه الذين تلقى عنهم العلم.