القاهرة 29 ديسمبر 2020 الساعة 07:23 م
كتبت: نهاد إسماعيل إبراهيم
ضمن سلسلة شهادات رواد المسرح المصري بالمحور الفكري "150 سنة مسرح" بـالمهرجان القومي للمسرح المصري في دورته الـثالثة عشرة برئاسة الفنان يوسف إسماعيل؛ قدم المخرج الكبير عصام السيد تجربته المسرحية واستعرض مشواره الفني وشهادته الخاصة عن تاريخ الفن المصري، وأدار اللقاء الناقد محمد سمير الخطيب.
افتتح "الخطيب" الجلسة قائلا: عصام السيد رجل مسرح من الطراز الأول على مستوى القيادة ودعم الأجيال الجديدة وقدم الورش الفنية قبل أن تنتشر بهذا الشكل الموسع، وهو مخرج مثقل بالمعرفة والثقافة قبل أن يكون حرفيا وتقنيا، ويظهر هذا بكتاباته وأعماله التي تعبر عن هموم وأعباء المجتمع وتعرض دوما وجهة نظر، وتحمل أيضا بين طياتها طابع جيل الستينيات وروحه القومية.
وحينما نتأمل أعمال "عصام السيد" نجدها مصرية خالصة، فقد مارس العمل المسرحي في جميع مؤسساته في مصر؛ قطاع خاص، وقطاع عام، وجامعي، حتى بلغ رصيده المسرحي حوالي 70 عرضا، يظهر خلالهم الاهتمام بالكيف وليس الكم؛ لذا أُعده أحد أعلام المسرح المصري، بالإضافة لرحلته الإدارية وعمله عشرة أشهر في مسرح التليفزيون، وأربعة أعوام في الثقافة الجماهيرية.
من جانبه تحدث "عصام السيد" عن مشواره الفني قائلا: تخرجت في كلية التربية بجامعة عين شمس قسم إنجليزي، ثم درست بعدها عدة مجالات منها دبلومة في علم النفس، ورغم أني لم أتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية -وهو ما تسبب لي في بعض العراقيل في بدايه مشواري الفني- إلا أنني تربيت في المسرح الجامعي الذي كان له دائما دور كبير في اكتشاف المواهب وتشكيل الوعي لدى جيلي، كما كنت محظوظا بمعاصرة جيل من الطلاب المبدعين ممن صاروا نجوما فيما بعد، منهم: يحيى الفخراني، وأحمد راتب، وفاروق الفيشاوي، ومحمود حميدة، وأحمد عبد العزيز، وسامي مغاوري ومحسن حلمي.
ويستطرد: عاصرت بزوغ تيارات أيديولوجية متنوعة في الجامعة، منها الماركسي والقومي وحتى الإسلامي، ما عرضنا للكثير من المعارك التي شكلت فكرنا، ولا أنسى أول نص أخرجته في الجامعة وكان من تأليف محمود الطوخي وبطولة أحمد بدير، وعندما شاهده أحد النقاد قال هذا ليس مسرح وهوجمت بسببه بشدة، ومن أهم محطات حياتي والتي أثرت علي بشدة رغم عملي مع مخرجين محترفين- هو عملي مع الأستاذ حسن عبد السلام، الأب الروحي لي الذي تعلمت المسرح على يديه، فقد كان عظيما وعبقريا على المستوى الفني والإنساني، وأول عمل لي كمخرج جاء بالصدفة أثناء عملي كمساعد مخرج لحسن عبد السلام، إذ كان يجري الإعداد لعمل جديد بطولة النجم جورج سيدهم، ثم تحول النص إلى نصين، فاختار سيدهم أن يسند إلي أحدهم، ولهذا العرض فضل كبير لأنه منعه من الهجرة كما كان ينوي، إذ أنه المخرج الوحيد الذي بدأ رحلته من القطاع الخاص، وعندما نجح توجه للقطاع العام، ولذلك أسدد دينه وفضله علي دوما من خلال تشجيعي ومعاونتي للأجيال الجديدة الذين أفتخر بهم كثيرا، ومن هذا المنطلق أطلقت جائزة باسمي في مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، والتي أقدم قيمتها من مالي الخاص لدعم الشباب.
ويكمل: توليت إدارة المسرح الكوميدي عام 1995 وكانت فترة إرهاب وتفجيرات، ورأيت أنه لابد أن يكون لنا دور تنويري في مواجهة أفكار الإرهاب الظلامية، فكان المسرح الكوميدي يقيم ندوات وأمسيات فنية وشعرية، ومعارض تشكيلية، ولم يحدث أن مثّل المسرح الكوميدي مصر رسميا في مهرجان دولي إلا أثناء إدارتي من خلال عرض "رصاصة في القلب"، كما شهد أطول فترات عرض في تاريخه منها عرض "البخيل" التي استمر عرضها لمدة عام كامل، وكان المسرح مفتوحا لكل الأجيال ولكل طوائف الجمهور، وقدم مجموعة من المخرجين من مختلف الأعمار أعمالهم على خشبته ولكني لم أخرج عرضا واحدا منذ توليت إدارته، ولكن أنتجت لسعد أردش وحمادة شوشة ونهال كمال وخالد جلال وناصر عبد المنعم وعاصم نجاتي، كذلك شهدت تلك الفترة صعود فرقة مستقلة على خشبة المسرح الحكومي للمرة الأولى.
بالإضافة لأمسيات سيد حجاب، وأمسية النكتة السياسية لعادل حمودة وجمعة فرحات التي شهدت بين حضورها عادل إمام للمرة الأولى، كما نظمتُ ورشا فنية في المسرح وكانت فكرة الورش جديدة آنذاك، وكان من مقدميها محمد عبد الهادي وكامل حلمي وهشام عطوة.
ويتذكر: عندما توليت إدارة المسرح ثم الإدارة المركزية للشئون الفنية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، لم يكن همي المنتج الفني وإنما تعليم وتوعية الجمهور وخلق ظهير شعبي مستنير، حتى أنني كنت أرسل مدرب متخصص أكاديمي للمناطق النائية والحدودية، ولا أطالبهم بإقامة عروض وإنما حث الناس على النقاش والتفكير، ولم يتعارض ذلك مع حصول فرق الهيئة على جوائز عديدة، ولابد أن أشكر الدكتور أحمد مجاهد الذي أعطاني كل الصلاحيات حينها لتطوير العمل الثقافي في الثقافة الجماهيرية -التي أعتبر نفسي من أبنائها- فأحضرت المتميزين، وناقشت مشاكلهم وقمت بحلها.
ويتابع: أما فترة إدارتي لمسرح التليفزيون فهي تجربة مهمة لم تستمر إلا عشرة أشهر، قدمت خلالها ثمانية عروض ما بين مسرح الطفل والمسرح الغنائي والعروض الموسيقية والراقصة والعروض الدرامية.
من جانب آخر انتقد "السيد" عدم توثيق الجيل الأول من من مخرجي المسرح المصريين، فهذا الجيل مظلوم بداية بحسن عبد السلام، إذ أن الدراسات التي تكتب عن المخرجين عموما قليلة، فلا تكفي دراسة واحدة لسمير العصفوري ومثلها لفهمي الخولي ولسعد أردش، وهذا ما كان بمثابة داعم للكتابة عن زملائي، كتوثيق تجربة المخرج أحمد اسماعيل في الثقافة الجماهيرية بإحدى القرى التي سافرت لها بشخصي، كما كتبت عن لينين الرملي وفهمي الخولي.
واستكمل حديثه قائلا: تعاملت مع كبار نجوم الفن في مصر والفضل الأول كان للنص الجيد ثم ثقة الفنان في كمخرج، ومنهم من كانت تبدأ علاقتي به بمشاكل وخاصة في البروفات لأنني لا بد أن أكسر للنجم بعض الكليشيهات بداخله، وهذا يتطلب مجهودا؛ فإذا لم يشعر الفنان أن الدور يضيف له فلن يستطيع الإبداع خلاله، فمثلا لم يكن يتوقع أحد نجاح عرض "أهلا يا بكوات" مع حسين فهمي، ولكنه نجح وعرض سنوات طويلة، وعند إخراج أي عرض أسعى إلى أن تقوم شخصية النص المسرحي باستدعاء الممثل ولا أختار بالنجومية، وقد أجلت عرضا لمدة عام كامل بعد تعرض السيدة أمينة رزق لحادثة وكانت إحدى بطلاته لأني لم أجد سواها مناسبا للدور، وأتذكر خوفها لكون العرض سيعرض في قاعة صغيرة وسط الجمهور وسوف تواجهه عن قرب، إذ تم تحويل قاعة العرض لبيت ريفي وكان جلوس الجمهور من حولها.
وقدم المخرج "عصام السيد" عدة نصائح للمخرجين من أهمها الاطلاع على السابق قائلا: "إن الأجيال الجديدة لا تعرف عن الماضي وكلما جربوا شيئا اعتقدوا أنه استحداث، وإياك أن تعطي النص للممثلين إلا عندما تنتهي من مذاكرته وتخيله كاملا، حتى تجيب على كل سؤال داخله بإجابات منطقية، واعتمد في اختيارك لفريق عملك على الهارموني بين الفريق بجانب النواحي الفنية وملامح الشخصية، ولا تتعرض لأي نص إمكانياته صعبة ماديا وبشريا، فأنا أكره المخرج الذي يتحايل على النص إنتاجيا، ولا تخرج من أجل الإخراج وإنما حبا في النص.
وكشف "السيد" عن مشاكل المسرح المصري حاليا فقال: "لا توجد أزمة نصوص أو مؤلفين أو ممثلين أو مخرجين وإنما الأزمة في الميزانيات؛ فببساطة حجم الإنتاج لا يتناسب مع حجم الشعب المصري، وكذلك عدد المسارح التي تفرض مدد عرض قليلة رغم أن البروفات استمرت شهور طويلة، وكذلك غياب الدعاية، فكيف أعرف عن العروض خاصة أن الميديا والصحافة تلهث خلف النجوم الكبار فقط، كما أن غياب البعثات والمشاهدات الحية للعروض بالخارج يجعلنا لا نعرف مدى تطور غيرنا في الحركة المسرحية، ولا يكفي لهذه النقطة ما يتيحه المهرجان التجريبي لأنه محدود النوعية، فأين وكيف نشاهد الكلاسيكيات والفرق الكبرى العالمية، لذا يجب التعلم بالمشاهدة والممارسة والاحتكاك، ولا يجب أن نخجل من طبيعة جمهورنا ونتهمه بالسطحية.
وفي نهاية اللقاء تحدث رئيس المهرجان الفنان يوسف إسماعيل موجها حديثه لعصام السيد قائلا: كنت من الجيل الذي يحمل مشروعا ثقافيا ووطنيا، ولم تعرف منطق السبوبة، وأتذكرك قبل كل عرض كيف كنت تتوتر ولا تنام، ولكن سؤالي هو؛ لماذا لم أرك يوما تمسك النسخة الورقية أثناء البروفات، وكأن النص كله في رأسك، وكيف كنت تحفظ النص بأرقام صفحاته؟
ورد "السيد" ضاحكا: في البداية لم أكن كذلك، حتى وجدت الأمر يتسبب في مشاكل لأن الترتيب الحي على المسرح له شأن آخر، ولا أحب أن أفرض على الممثل حركة مسبقة، وإنما أقنعه بمعناها فيحفظها جيدا، لأن الممثلين ليسوا قطع شطرنج وإنما بشر -وهذا أيضا تعلمته من أستاذ حسن عبد السلام-، كما أنني لا أدخل بروفة إلا وقد تخيلت العرض كاملا في ذهني، وأظن أنني لو كتبته على الورق فسوف يذهب حماسي له، وهكذا لكل مخرج أسلوبه، ولا يوجد طريقة أنجح أو أصح من الأخرى، ولكن المهم أن تصل الرسالة وينجح العرض بعد تناوله بالصورة الصحيحة.
يذكر أن فعاليات الدورة الثالثة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان يوسف إسماعيل، تقام في الفترة من 20 ديسمبر 2020 إلى 4 يناير 2021، وتحمل اسم دورة "الآباء"، ويحتفل المهرجان خلالها بمرور 150 عاما على المسرح المصري.