القاهرة 29 ديسمبر 2020 الساعة 11:43 ص
كتبت: فادية بكير
أنا البحر فى أحشائه الدر كامن.. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى.. كبرنا على هذا البيت البليغ من شاعر النيل حافظ إبراهيم حتى وإن كان أغلبنا لا يعرف أنه قائله، ولكن بعضنا نشأ عليه فى دراسته للمرحلة الابتدائية والإعدادية، والبعض الآخر فى إذاعة البرنامج العام العزيزة والحبيبة بإلقاء وصوت المذيعة الكبيرة صفية المهندس وهى من جيل المذيعين الأوائل الذين أسسوا الإذاعة المصرية منذ نشأتها فى الستينيات، فكان هناك برنامج يذاع فى المساء يقدمه الشاعر القدير المعروف فاروق شوشة، وكان هذا البيت الشعرى استهلال مقدمة البرنامج بصوتها الجميل وأدائها الرائع.
وإذا كانت لغتنا العربية (لغة الضاد) لها قدر وشأن عظيم قد لا يعلمه الكثيرون أو يستخفون به بأن يهجروها مهرولين إلى مفردات لغات أخرى بعضها معروف وبعضها اخترعها الشباب ليستخدموها من منطلق التحضر والتمدن والروشنة (على حد تعبيرهم)، ومنهم من يستخدمها بمفهوم أنها علامة على الأناقة الاجتماعية فتجدهم يتحدثون بكلمة من لغة اخترعوها ويضيفوا إليها كلمات أخرى بلغة أجنبية، حتى تسمع منهم عبارات لقيطة لا تجيد تفسيرها ولا كتابتها إذا حاولت ولا يعلمون أنهم يكفيهم فخرا بأن اللغة العربية لغة القرآن وأن قامات أدبية وعلمية تغزلت فيها مثل عميد الأدب العربى طه حسين وعالم النحو المعروف سيبويه، أحدهما صرح عشقا فى اللغة العربية أن الله سبحانه وتعالى أعطى كل اللغات صفات حسنة وأفرد للغة العربية الجمال وسره دون شريك، وبالتأكيد لم يكونوا يعلمون أنه سيأتى جيل من الأحفاد لا يعرف قيمتها ويسخر ممن يحرص عليها.
فلتكن هناك مواد ثقافية تبث إعلاميا (مسموعة - مرئية- مقروءة) وذلك بمشاركة الجهات التعليمية ذات القيمة والمرجعية العلمية مثل معهد الخطوط وكلية الدراسات الإسلامية والعربية والمؤسسات المعنية فى توعية بمحاضرات وما شابه ذلك من فعاليات، يحرص من يقدمونها على إعدادها والتحدث فى مضمونها باللغة العربية الفصحى دون قلق من تململ المتلقى أو انصرافه عن متابعتها وذلك فى إطار جذاب.
لتعلموا أن لغتنا هى الهوية والتراث ولا تعارض أبدا بين الحداثة والتحضر وبين الثبات على أرض ثقافتنا وأصولنا وأبسط وأهم هذا الثبات هو لغة تعبر عنا فى بيان وبلاغة تعززها أدواتها من القواعد النحوية وأحكامها.
وإذا نجح المجتمع فى توفير تلك التدابير وتحقيقها حتى على مراحل وليس دفعة واحدة، كان هذا التفعيل الحقيقى للاحتفال بلغتنا الجميلة العزيزة لغة الجمال والدر الكامن فى معانيها.