القاهرة 29 ديسمبر 2020 الساعة 11:37 ص
بقلم: أسماء هاشم
كتبت إحدى الأمهات المعُيلات عن انتهاء حقها في الحضانة بعد بلوغ أصغر أولادها سن الخامسة عشرة، وأن الأب سيسترد شقة الزوجية التي كانت قد تمكنت منها بعد الطلاق، لكونها حاضنة للصغار، هذه الأم كما ذكرت شارفت على الخمسين وأنها دون عمل وأن شهادتها الجامعية صارت ورقة ضمن أوراق كثيرة يزدحم بها ملف حياتها، تتساءل الأم المعيلة التي كانت تعيش على النفقة التي يرسلها الأب لأولاده.. هل من سبيل للبقاء في الشقة التي شاركت بتأسيسها في سنوات سابقة؟
هذه الأم بنظري أكثر حظا من أخريات فقدن سكن الزوجية بمجرد الطلاق، وغالبا طردن منه بأولادهن قبل إتمام الطلاق، كثيرة هي حيل الأزواج في التخلص منهن بأولادهن وحرمانهن من هذا السكن! من يراكم إيجارعدة شهور ليضعها في مواجهة مع المالك الذي يستطيع طردها بسهولة وبعضهم يضطر لبيع السكن الذي يملكه لأحد إخوته لتفقد الحق في المطالبة به! لا يتورع أهل الزوج في أن يشاركوا الابن في تدبير تلك المؤامرات لأنهم باختصار ينتمون لهذا المجتمع الذي لا يعترف بحقوق للمرأة تضمن لها استقلالها، بالعكس يحارب هذا الاستقلال لأنه يدرك أن في ذلك تهديدا صريحا لمملكته التي شيدها عبر قرون من الاستبداد الذكوري..
في نهاية الأمر تجد الأم نفسها وأولادها في الشارع! أين تعيش مطلقة بأولادها الذين قد يصل عددهم لثلاثة أطفال؟ القانون يمنح الأم الحاضنة سكن الزوجية حتى ينتهي حقها في الحضانة ببلوغ الصغار سن الخامسة عشرة، وعليها أن تبدأ طريق الحصول على هذا المسكن.. مشوار مرهق قد تتراجع عنه في البداية لإدراكها وعورة الطريق وصعوبات العيش تحت التهديد في مسكن قد يكون في بيت عائلة الزوج، كثيرات ارتضين بإيجار مسكن يضاف لقيمة النفقة الشهرية مع العلم أن هذا الإيجار لا يكفي غرفة واحدة!
القانون لم يجب على تساؤل أين تذهب الأم بعد انتهاء مدة الحضانة؛ لأنه إفراز مجتمع ينظر للمرأة على أنها تابع للرجل، فهي في بيت الزوجية ما دامت على ذمة هذا الرجل، ثم يمنحها البيت ما دامت حاضنة لأولاد هذا الرجل وتقوم برعايتهم وفق شروط حددها وهي أن تظل خادمة لأولادها حتى يعودوا إلى أبيهم بانقضاء فترة الحضانة، وعلى الأم التي يتعامل معها القانون على أنها مؤجرة عليها أن تدبر حالها وتخرج منه نهائيا في الموعد المحدد، إذ لا يحق لها الاحتفاظ بالمسكن لفقدانها شرط البقاء فيه وهو حضانة الصغار. قلت إن القانون يتعامل مع الأم في هذا الشأن وكأنها مؤجرة ولكن الأمر أكثر قسوة من ذلك، فالمؤجرة عند انتهاء مدة الخدمة تحصل على مكافأة لتدبر حالها.
القانون هو إفراز لقناعة مجتمع يتعامل مع المرأة على أنها تابع لا يحق لها أن تمتلك أي شيء، هو انعكاس لعقلية جمعية تتعامل مع البنت كضيفة في بيت الأهل ومؤجرة في بيت الزوج وعبء في بيت الأولاد يتناوب الأبناء استضافتها كلما سمحت ظروفهم.
هذه الأم التي خرجت من بيت الزوجية بعد إتمام مهمتها أتصور أنها ذهبت تبحث عن سكن لها في بيت الأهل الذي صار ميراثا بينها وبين الأخوة.. يا ويلها لو كان لها أخوة ذكور.. غالبا قد تقاسموا الميراث فيما بينهم وعلى الإناث الاكتفاء باستضافة ثقيلة والتعامل معها كـ ضيفة غير مرغوب فيها إلا لو صارت خادمة لأولادهم!
تجارب الأمهات المعيلات في الحصول على سكن أو تجربتهن في الحصول على مكان في بيت الأهل فيما بعد تجبر الكثير من الأمهات على الاستمرار في علاقة زواج مدمرة بسبب الخلافات، وقد تجبر على تقبل الإيذاء البدني والنفسي مادامت تأويها أربعة جدران!
لا نطمع في حلول قانونية لتلك المشكلة بقدر ما نتمنى فتح حوار مجتمعي ممتد لنخلخل بعض القناعات، ربما نصل لمرحلة نتعامل فيها مع المرأة كـكائن مستقل.