القاهرة 22 ديسمبر 2020 الساعة 10:31 ص
تأليف: ليديا ديفيس *
ترجمة: سماح ممدوح حسن
هذه الأيام، أحاول أن أقنع نفسي إن ما أشعر به ليس بالأمر الجلل. فقد قرأت فى بعض الكتب: إن ما نشعر به مهم بالتأكيد، لكنه ليس كل شيء. أنا أفهم هذه الكلمات، لكن لا أشعر بها بعمق كافِ حتى أتصرف على أساسها، كم أود الشعور بتلك الكلمات بعمق أكبر. كم سيكون ذلك مريحا. حينئذ، لن يتحتم عليّ التفكير فيما أشعر به طوال الوقت، وسأحاول السيطرة على تلك المشاعر بتعقيداتها وعواقبها. وحينئذ، لن أضطر لإنفاق كل الوقت فى بذل محاولات للشعور بالتحسن.
فى الواقع، إن صدقت إن ما شعرت به لم يكن بالأمر الجلل، فربما لن أشعر بأي سوء. ولن يكون من الصعب الشعور بالتحسن، ولن أضطر للقول "يا الله، أشعر بالفزع الشديد، هذه نهايتي، فى غرفة المعيشة المظلمة هذه، فى ذلك الوقت المتأخر من الليل، بشارع مظلم بالخارج تحت أضواء مصابيح الشوارع. أشعر بوحدة كبيرة، بقية من بالمنزل نائمون، لا راحة فى أي مكان، فقط أنا وحدى هنا، لن أهدأ كفاية حتى لأنام، أنا لا أنام أبدا، وفى اليوم التالى لن أصمد، لن استطيع الاستمرار هكذا، لن اتمكن من العيش حتى لدقيقة أخرى".
لو أننى احسست أن ما أشعر به ليس محور كل شيء، فلن يكون كذلك. بل سيكون مجرد شيء ضمن أشياء، وسأتمكن من رؤية أشياء أخرى مهمة أيضا، وعليّ الانتباه إليها أيضا والاهتمام بها، وبهذه الطريقة سأرتاح.
غريب أن أجد هذا الكلمات صحيحة تماما، ورغم ذلك لا استطيع تصديقها بعمق كاف للتصرف على أساسها. لذا فأنا اتصرف كما لو أن ما اشعر به هو محور كل شيء، ولا تزال تلك المشاعر هى سبب جلوسى وحيدا فى غرفة المعيشة المظلمة بجانب النافذة، فى وقت متأخر من الليل. وكل الاختلاف الذى حدث، إن لدى فكرة، مجرد فكرة، إننى قريبا سأصدق أن ما أشعر به ليس محور كل شيء. وهذا مريح حقا، فلو كنت يأس من صمودك وقدرتك على الاستمرار، لا بد وأن تخبر نفسك أن يأسك ليس بالأمر الجلل، وحينها إما أن ينتهى يأسك، وأما أن تظل يائسا، لكن فى الوقت نفسه سترى كيف أن ذلك اليأس، تُرك جانبا، وتراه مجرد شيء ضمن أشياء عدة.
*المؤلفة فى سطور:
"ليديا ديفيس" كاتبة وروائية أمريكية، فازت بجائزة "البوكر" 2013 ، تكتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولها ستة مجموعات قصصية قصيرة، وقصيرة جدا (ميكروبورتريه)، واللون الأخير هو أكثر ما يميز كتابات ليديا دايفس، حيث كتبت قصصا لا تزيد عن السطر الواحد، واحيانا بضع كلمات. ولها أيضا عدة روايات مترجمة عن الفرنسية، من بينها (مدام بوفارى، وطريق سوان) وفى عام 2013، حازت على جائزة البوكر العالمية عن مجمل أعمالها.