القاهرة 15 ديسمبر 2020 الساعة 04:08 م
بقلم: د. هبة سعد الدين
"أتمنى أن أشاهد أدهم صبري على الشاشة"، ذلك كان حلم الكاتب الكبير دكتور نبيل فاروق الذي رحل عن عالمنا منذ أيام، لم يكن يفكر فى ملامحه أو كيف سيكون كلحم ودم بقدر ما كان يرغب فى ظهوره، فذلك البطل المصرى المخابراتى صاحب المواهب المتعددة ما بين اللغات الست والقدرة على التنكر وإتقان المهارات القتالية الذى كان يختفى ولديه القدرة أن يعود، يوهم الجميع بالفناء لكنه يُبعث من جديد وكأنه ورث من أجداده القدماء كل شيء.
لقد أدرك أننا فى حاجة لهذا البطل تحديداً فى هذه الفترة الزمنية الحرجة من عمر الوطن، فلم يعد هذا الجيل مرتبطاً بكتاباته التى تجولت ما بين بطولات الجاسوسية والخيال العلمى ودنيا المشاعر، تلك الثلاثية على الرغم من تنافرها الظاهر إلا أنها خليط البشر الذى استطاع من خلال استمراريته وتدفق إبداعاته فى هذه الأفرع أن يأتى دوما بكل ما هو راقٍ مثله ؛ لكن أتصور أن "أدهم" هو الأهم فى مشاعره؛ خاصة بعد كل ما مر به الوطن، أتخيل أنه شعر باحتياج جيل جديد لم يعتد القراءة أن يراه دماً ولحماً وبطلاً من "بلدنا" يمكنه أن يوازى كل الأبطال الغربيين الذين أحببناهم وارتبطنا بهم سينمائياً؛ فالأدهم لا يقل براعة عن كافة الشخصيات الأخرى الغربية التى جاءتنا بواقع غيرنا لنا، لقد آمن طبيبنا بأن عالمنا الأسطورى به الكثير من المفردات والمشاعر والوقائع ويحمل الكنوز التى لم يتم الاقتراب منها حتى الآن؛ هذا العالم وحده هو القادر على أن يخطو بنا نحو ذاتنا ووطننا فى آن واحد، وذلك سر أمنيته فى تجسيد أدهم صبرى على شاشة السينما كشخص أحبه من أصبحوا كبارا وسيرتبط به من لايزالون صغارا ومن سيأتى بعدهم.
كتابات دكتور نبيل فاروق تركت "الأثر" على مدى أكثر من أربعة وثلاثين عاما، وسجلت موهبةً خاصةً فى مخاطبةً مرحلة عمرية يصعب إرضاؤها كانت حائط الصد لهذا الوطن، والآن لا يوجد البديل القادر على ملء هذه المساحة.
ترى هل اتفقت الأقدار ألا يرى رجل المستحيل "أدهمه" من خلال سيناريو أحمد مراد وإخراج مروان وحيد حامد حتى الآن؟ لقد انتظر أكثر من عامين على ظهور حلمه على الشاشة، فقد أراد أن يسهم فى بناء جيل على موعد مع الشغف والإيمان بالوطن والقدرة على التفكير الذى يمتزج بالحب.
لقد كان مؤمناً بأن فى وطننا وثقافتنا الكثير الذى حاول إظهاره على مدى السنوات، ورغم كتاباته الدرامية القليلة التليفزيونية والاذاعية وفيلمه الوحيد "الرهينة" سيناريو وحوار نادر صلاح الدين وإخراج ساندرا نشأت، إلا أنه كان يدرك أن السينما لها أثر خاص ويمكنها أن تأتى بالكثير الذى لا تستطيعه الكتابة خاصة فى هذا الوقت.
ولأننا لم نصل درجة الإبهار الأمريكانى ولم نصنع "بطلنا" الخاص الأصيل، لذلك صار ما لدينا مجرد مسوخ.. فمتى يظهر "أدهمنا" ذو النكهة المصرية الذى أبدعه "النبيل"؟