القاهرة 15 ديسمبر 2020 الساعة 03:55 م
حاورتها: شيماء عبد الناصر
مروة عاصم سلامة مؤسسة قناة مزامير السيدة ميم، والتي انطلقت بكتب صوتية متنوعة ما بين الأدب والثقافة، نتعرف على بدايتها مع القناة وكيف تطورت فكرتها ونتعرف على مستوى المكتبة الصوتية العربية ومدى تواجدها وتطورها في الوقت الحالي ومستقبلا.
حدثيني عن قناتك مزامير السيدة ميم، وكيف بدأت الفكرة وآلية تنفيذها؟
كانت البداية فعلياً بصيف عام 2016، إذ كانت لي هواية سابقة بكتابة مراجعاتٍ عبر موقع جودريدز تشتمل على خواطري حول الكتب التي أقرأها، ثم أصابني فجأةً ما يشبه خمول الكتابة، وهو أمر يثقل على صدر أي إنسانٍ يجد في الكتابة منفذاً لأفكاره، حتى وإن لم يكن كاتباً محترفاً كما هو الحال معي، وقتها اقترح عليّ زوجي فكرة تسجيل الكتب صوتياً، خاصةً أني وهو من محبي الإنتاج الثقافي المسموع بكافة فنونه، وبالفعل بدأت ولازلت أستخدم تطبيق المسجل عبر هاتفي المحمول، أقرأ هكذا ببساطةٍ في عزلة غرفتي الهادئة يوماً إثر يوم فيكتمل كتاب إثر كتاب، وإذ أن التسجيل يمر بمراحلٍ يومية منفصلة فقد كانت تعوزني مهارة المونتاج وهي المهارة التي تعلمتها أيضاً من زوجي باستخدام برامج سهلة ومتاحة عبر الإنترنت، الأمر الذي منحني استقلاليةً تامة في إنتاج محتوى القناة كاملاً بشكلٍ فردي.
هكذا بدأت القناة والتي احترتُ كثيرا وقتها في اختيار اسمٍ مميزٍ لها، وبعد عصفٍ ذهني مشترك مع صديقٍ عزيز لي شجعني كثيراً عبر جودريدز وهو: هاني عبد الحميد، استقريت على اختيار "مزامير السيدة ميم" إذ أني أحب شاعرية ولغة (سِفر المزامير) من إنجيل العهد القديم، أما (السيدة ميم) فهو اسم بطلة رواية "البطل الصغير" لدوستويفسكي، وهي أيضاً رواية قريبة جداً إلى قلبي.
أما فيما يخصُّ معرفة القناة من قِبل محبي الكتب الصوتية، فهي قصةٌ أحب ذكرها دائماً إذ أنها حدثت لي من حيث لا أحتسب، فقد ظللتُ لعدة أشهرٍ أنشر الكتب عبر القناة وليس فيها إلا بضع وأربعون مشتركاً فقط، كلهم تقريباً من عائلتي وأصدقائي المقربين، ثم حدث أن استيقظتُ يوماً لأجد فيضاً من رسائل المحبة والتعليقات المشجعة جداً مع توافد أول ألف مشترك حظيت بهم في القناة، وإذ تتبعتُ بداية الأمر وجدت أنه كان إثر تزكيةٍ لي عبر تويتر دوّنها مثقفٌ سعودي وهو فهد القرين، فسعدت كثيراً وسميّت ذلك وقتها: أثر الفراشة الذي "يُرى" ولا يزول! والآن بعد 77 ألف مشترك أغلبهم من السعودية والمغرب ومصر والجزائر والأردن وألمانيا أفكر بأنه مهما حدَّث المرءُ نفسه بأنه إنما يصنع ما يصنع لأجل هوى نفسه فقط، فسيظل في وجدانه رغبة عميقة في أن يرى صنيعه هذا حاضراً من خلال أعين الآخرين ووجدانهم، وربما حتى كانت تلك الرغبة هي ما دفعت الإنسان الأول لنقش الرسومات على جدران كهفه الحجرية، أملاً منه في أن تُرى ولو بعد حين.
كيف تطورين نفسك في مجال الإلقاء الصوتي؟ وكيف تختارين كتبك التي تقرئينها؟
التطور حدث أولاً بالممارسة، فرغم التلقي الكريم جداً من مستمعي الكتب الصوتية لتسجيلاتي وتجاوزهم في الغالب عما يعيبها، إلا أني عندما أعود للكتب التي قدمتها في عامي الأول من إنشاء القناة أجد ما يمكن أن أسميه الآن: عيوب المبتدئين، وهي العيوب التي حرصتُ وما زلت أعمل بجدٍ على تلافيها سواء أكانت سقطات نحوية أو سرعة بالأداء وما إلى ذلك. ورغم أني ولله الحمد أجد تحسناً كبيراً إلا أن رضائي بشكل كليّ عن نفسي لايزال عزيزا جداً دائماً، لذا ستظل محاولاتي للتحسن دائمة كذلك.
الأمر الثاني الذي أسهم في تطويري هو أنه أُتيح لي الإسهام بالعمل مع مؤسساتٍ متخصصة في إنتاج الكتب الصوتية للمكفوفين مثل: "مكتبة المنارة العالمية" وكذلك "المؤسسة اللبنانية للمكفوفين"، إذ كنت أقوم بالتسجيل في استوديو خاص يملكه الموسيقيّ وعازف العود المصري أمير موسى بالقاهرة، غير أني توقفتُ حالياً عن العمل الاحترافي بالتسجيل الصوتي لأسبابٍ عدة أهمها هو انتقالي مع أسرتي للإقامة بالإمارات.
ورغم استمراري بتقديم الكتب الصوتية كهوايةٍ دائمةٍ لي عبر اليوتيوب، إلا أني لازلتُ ممتنةً بشدة لتجربتي العملية مع أمير موسى تحديداً، إذ أن العمل تحت إشراف أُذنٍ موسيقية مرهفةٍ كفيلٌ بتدريب المرء جيداً على امتلاك الحساسية المطلوبة أثناء الإلقاء الصوتي.
أما بالنسبة لاختيار الكتب فقد كنت في البداية أتبع تفضيلي الشخصي وحسب، فأتجه إلى كتب السيّر الذاتية والكتب الفلسفية وأختار الأدب اللاتيني في الروايات، كذلك بدأتُ في الاتجاه إلى تسجيل الأدب الروسي القديم والذي أحبه أيضاً منذ زمنٍ كقارئة، لكني كنت أخشى الإقدام على تسجيله، إلا أن توصيات المستمعين المثقفين شجعتني كثيراً لأكتسب الجرأة الكافية لتسجيل ما كنتُ أتردد في الغالب في تقديمه عبر القناة، ثم حدث أن فقدتُ أربع كتب من قناتي بسبب حقوق الملكية الفكرية فتعلمتُ من هذا أن أراعي في اختياراتي أموراً أخرى مثل أن تكون الكتب التي أقدمها كتباً كلاسيكية قد سقطت عنها الحقوق بمرور أكثر من سبعين عاماً على وفاة مؤلفها أو أن تكون صادرة عن هيئات ثقافية غير ربحية، الأمر الذي يُقيد من رحابة الاختيارات بالتأكيد، إلا أن عالم الكتب والمعرفة لا يزال يحوي الكثير من الكتب الجميلة والنافعة معاً.
كيف ترين مستقبل الكتب الصوتية؟
هذا السؤال تحديداً أستطيع الإجابة عليه بصفتي مستمعة مخلصة للكتب الصوتية، حتى من قبل أن أكون قارئةً لها، لذا يمكنني أن أقول سعيدةً أن المكتبة الصوتية العربية بدأت بالفعل عصر ازدهارها، إذ يمكن للمتابع الآن أن يجد أكثر من منصةٍ صوتيةٍ محترفة تتسابق فيما بينها لتقديم أكبر عددٍ من الإصدارات الأدبية والفكرية ما بين قديم وحديث، وبأفضل جودةٍ ممكنة، الأمر الذي يسَّر أمر القراءة والاطلاع ليس فقط لفاقدي نعمة البصر وإنما أيضاً لمن كان يمنعهم عنها نفاد أوقاتهم، إما لاضطرارهم لقطع مسافاتٍ طويلة ذهاباً وإيابا سواء للدراسة أو العمل، أو حتى أثناء أداء واجباتهم المنزلية.
غير أنه يظل لهذا الجانب الإيجابي المشرق أمر سلبي من وجهة نظري، وهو أن هذا الإقبال على المحتوى الصوتي المدفوع الأجر رافقه تقييد شديد للجانب التطوعي المجاني الذي يقوم به هواة التسجيل الصوتي من أمثالي عبر مساحات الإنترنت العامة، إذ أصبح يُعيقنا لا حقوق الملكية الخاصة بدور النشر وحسب، وإنما أضيفت إليها أيضاً حقوق بعض المنصات الصوتية المحترفة، وأنا بالطبع أتفهم المتطلبات المادية للعمل الاحترافي الناجح وأحترم تلك المعايير الواقعية. ما أعنيه فقط هو أن لا يتحول الفن والأدب والمعرفة لسلعٍ أخرى تحكمها آليات السوق والربح المادي وحسب، فإن كان الهدف من نشر الثقافة صادقاً فعلى كل من يعمل لتحقيق هذا الهدف أن لا يجد عائقا في طريقه.
وأحب هنا أن أضرب مثلاً بأكبر مكتبة صوتية إنجليزية وعالمية وهي: " ليبري فوكس" وهي المنصة المجانية القائمة كلياً على الجهد التطوعي الحر لقراءٍ هواة من مختلف أنحاء العالم، والتي سجلت أكثر من 380 مليون تنزيل مجاني لمحتواها الصوتي منذ أنشئت بعام 2005.