القاهرة 01 ديسمبر 2020 الساعة 09:52 ص
كتبت: هبة صبحي العسكري
عقد بيت السناري بالتعاون مع مركز توثيق التراث الطبيعي والحضاري ومركز المخطوطات بقطاع التواصل الثقافي بمكتبة الإسكندرية، ندوة مفتوحة للجمهور تحت عنوان بيت السناري "التاريخ.. الثقافة.. التراث"، بمناسبة مرور 226 عامًا على إنشاء بيت السناري، وذلك مساء الأحد الماضي في مقر بيت السناري الأثري بالسيدة زينب، حضرها عدد من المهتمين بالآثار والتاريخ والفن التشكيلي؛ حيث شملت فعاليات الندوة التركيز على المكونات المعمارية للبيت وعمليات الترميم التي أجريت عليه حتى حولته مكتبة الإسكندرية إلى بيت "للعلوم والثقافة والفنون" لتقديم وإتاحة فعالياتها داخل القاهرة.
وقد بدأت الندوة بعرض فيلم يتناول وصف بيت السناري، وعرض مجموعة من الصور له قبل وبعد الترميم، كما تضمنت الندوة سلسلة من المحاضرات؛ حيث قدم د. محمد عفيفي؛ رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب، جامعة القاهرة محاضرة بعنوان "الحملة الفرنسية: لقاء الشرق والغرب"، حيث بدأ كلمته قائلا: إن بيت السناري مازال يثير تساؤلات حيث أنه يمثل رحله بين الزمان والمكان، والزمان هنا هو تحول من عصر البكوات المماليك في منتصف القرن الثامن عشر إلى مطلع القرن التاسع عشر وزمن الحملة الفرنسية على مصر وهو قرن التحديث في مصر والمتغيرات الكبرى التي بدأت بالحملة الفرنسية التي أحدثت صدمة كبرى؛ نظرا لكونها احتلالا سياسيا، ولكنها على الرغم من ذلك صنعت تلاقي ثقافات بين الشرق والغرب وهذه النقطة في غاية الأهمية، وتحول بيت السناري من مجرد بيت لأحد كبار أمراء البكوات المماليك إلى لقاء الشرق والغرب، ومن أهم المصادر والمراجع التي تحدثت عن طبيعة هذا اللقاء هو العلامة الجبرتي؛ لأنه جاء إلى هذا البيت والتقى بعلماء الحملة الفرنسية.
وتناول أيضا تحولات المكان من بيت إلى مجمع علمي ليشير أن مصر قبل الحملة الفرنسية شيء وبعد الحملة الفرنسية شيء آخر، فمنذ الحملة الفرنسية وحتى الاحتلال البريطاني على مصر سنه 1882 كانت محل صراع بين القوى الاستعمارية، ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا أمام مدرستين في شرح التعامل مع الحملة الفرنسية كحدث؛ المدرسة الأولى تقول إن بداية التحديث في مصر يبدأ مع الحملة الفرنسية التي أدخلت الطباعة وحررت المرأة وأدخلت الثقافة الغربية، والمدرسة الثانية التي تستنكر ذلك وتتساءل كيف نحتفل باحتلال وكيف نبدأ تاريخنا الحديث باحتلال، ولكن هذا لا يقلل النتائج الثقافية للحملة الفرنسية، وأمامنا نموذج هو كتاب وصف مصر وهو من أهم الكتب التي سجلت هذا التاريخ.
ثم قدم د. أسامة طلعت؛ رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بالمجلس الأعلى للآثار، محاضرة تحت عنوان "أضواء على تاريخ عمارة بيت السناري وإعادة توظيفه" حيث قال: إن عمارة وتخطيط منزل السناري وهو أثر إسلامي مسجل بوزارة الآثار له رقم وبيانات وظروف محددة، ويحمل رقم أثر 283ويضم حسب رؤية المتخصصين في فنون العمارة معظم مميزات العمارة الإسلامية بداية من المصعد المخصص لاستقبال الرجال الذي يطل علي الفناء الداخلي للبيت ويسمي السلاملك، مرورا بقاعة الحريم التي تمتد من ناحيه الشارع في المقدمة إلى المقعد في الخلف، وملقف الهواء الذي يواجه القاعة من الناحية الشمالية، وهي حيلة كان يلجأ إليها المعماري المسلم في تلك العصور لترطيب البيت وتقليل إحساس سكانه بدرجة الحرارة العالية، وأطلق على هذا المكان الحرملك، إضافة إلى قاعة مخصصة لاستقبال العامة من الزوار، وذلك البيت الذي كان تعلوه المشربيات التي صنعت من خشب الخرط والدواليب الحائطية الرائعة التي تجعله بمثابة تحفة معمارية إسلامية، وأشار طلعت أن وثيقة الوقف الخاص بالمنزل محفوظة في أرشيف وزارة الأوقاف بتاريخ 18رمضان 1209ه، الموافق 8 أبريل 1795،وذلك قبل دخول الحملة الفرنسية لمصر بثلاث سنوات.
ومن جانبها تناولت هند محمد عبد الرحمن؛ أستاذ تاريخ مصر الحديث والمعاصر، بالشرح والتوضيح متحف بونابرت في مصر 1948-1917، أما أنياس ماكين؛ رئيس أمناء المكتبات والمسئولة عن مكتبة المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة، فألقت محاضرة تحت عنوان "وصف مصر.. عمل علمي ومغامرة تحريرية"، وأقيم على هامش الندوة معرض صور نادرة لبيت السناري، مع عرض خاص لما يسمى بــ "حائط المعرفة"، وهو تطبيق جديد ومبتكر مقدم من مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي التابع لمكتبة الإسكندرية.
تأتي الندوة في إطار حرص مكتبة الإسكندرية على توثيق التراث والحفاظ عليه وإظهار جمال ومعالم مصر، وكذلك إلقاء الضوء على تاريخ العلاقات المصرية الفرنسية من الناحية التاريخية والثقافية والحضارية، بهدف إتاحة المعرفة والثقافة بشكل أوسع وتعزيز الوعي الفكري لدى المواطنين، خاصة المتخصصين منهم في مجال التراث المعماري والفرنكفوني وأيضًا المهتمين بتاريخ مصر الحديث.
ويرجع تاريخ إنشاء البيت لعام 1794، حيث أنشأه إبراهيم كتخدا السناري الذي كان مقربا من الأمير مراد بك حتى أصبح من أعيان القاهرة وتوفي عام 1801 ودُفن بالإسكندرية، وكان "بيت السناري" أحد ثلاثة بيوت تمت مصادرتهم من قِبل الفرنسيين عام 1798 لتسكين أعضاء لجنة العلوم والفنون التابعة للحملة الفرنسية، وعن عمارة بيت السناري؛ فهو يمثل أحد أروع أمثلة العمائر السكنية الإسلامية التي يرجع تاريخها إلى 1794م، وارتبط تاريخه بالحملة الفرنسية على مصر (1798-1801م)؛ حيث أقام فيه عدد من أعضاء لجنة العلوم والفنون ضمن الحملة، وكان غالبيتهم من الرسامين والمهندسين، وإلى هؤلاء يرجع الفضل في تأليف موسوعة وصف مصر الشهيرة.