القاهرة 12 نوفمبر 2020 الساعة 11:17 ص
بقلم : محمد حسن الصيفي
صدف أم أقدار؟ لا أعرف، وبعيدًا عن الفلسفة بوجوديتها وعدميتها قادتني الظروف في الشهور الأخيرة لمشاهدة العديد من الأفلام المصرية الجيدة، الجيدة على الأقل في جودة الفكرة ولو شابها بعد التقصير في التنفيذ أو الحبكة.
والرابط بين هذه الأفلام جميعًا أنها بنت حقبة واحدة، حقبة التسعينيات، الكيت كات والبيضة والحجر، الأقزام قادمون، الإرهابي، الراقصة والسياسي، المواطن مصري، وغيرها من الأفلام....
أشاهد وأستمتع وأعود لفيلم من أفلام الحاضر وأشعر بصدمة حضارية، وقريفة فنيّة!
أجد الحاضر بعيد تمامًا عن الماضي القريب وفنيّاته وقضاياه وأفكاره، منفصل عن الشارع، اللهم إلا بعض الأفلام الركيكة التي تحاول إغراء المراهقين "كذبًا" بقضاياه وهي أبعد ما تكون...
أدقق النظر وأقول أنني منحاز للتسعينيات ولمرض الحنين إلى الماضي، لكن أعود لأشاهد فيلمًا إضافيًا فأجد أن الصورة لا تكذب، الكادرات، الصورة، الموسيقى، دفء الشوارع والحواري المصرية القديمة الضيقة التي تشع من الدفء ما يكفي لمرور ليلة شتوية كئيبة بردًا وسلاما.
أفلام الحاضر بعيدة عني وعن وجداني، مخاطبة الحاضر العالمي البعيد كل البعد عنّا وعن قضايانا، مصاصو الدماء المضحكون، والظواهر الخارقة، الأكشن العنيف السخيف... من أنا؟
ما الذي جاء بي إلى هنا؟ أبحث عن نفسي فلا أجدها، فلا هنا أسامة أنور عكاشة ولا وحيد حامد ولا الميهي...، هنا ورش سيناريو أشبه بالطابونة، يقدم الكاتب الحلقة جلوسًا على الكافيه أو في غرفة مظلمة وهو يحدق في شاشة اللاب توب، المهم أن يرسل الحلقة على الواتساب قبل "الديد لاين" حتى لو رفض الوحي الهبوط قبل الميعاد المحدد.
تشاهد العمل من هنا وتننتهي منه ولا تشعر بأي اندهاش، بلاهة، سخافة، سلبية شديدة، تشعر بأهل العمل وكأنهم موظفون يذهبون إلى المصلحة وهم يكافحون النعاس، الأبطال حائرون، تائهون، يسيرون بغير هدى في طريق لا بداية له ولا نهاية، المهم أنهم يسيرون وأن لقمة العيش لا تنقطع، ترى أحدهم في المشهد وهو يدخن فتشعر أنه يدخن منذ بدء الخليقة وسيظل إلى يوم القيامة، فاقد الحس والملامح مهما ارتدى من أزياء وجلس في مواقع رائعة للتصوير، لكن في النهاية البرود يسيطر على الموقف، برود يليق بأعمال منحوتة بكسل واستسهال، وبناءً عليه فالحرارة مفقودة إلى الأبد!
كُتب علينا كلما ابتعدنا عن قضايانا وألواننا وحضارتنا وتراثنا بأن نصاب بالوهن والضعف، فلا نحن أهل للدماء الممصوصة ولا الأشباح ولا الظواهر الخارقة، نحاول تقديم فيلم رعب فيضج المشاهدون بالضحك، نحاكي ما وراء الحاضر فنخرج عملا باهتا لن يمكث في الذاكرة يومين على الأكثر!
ولا أحد يلتفت للأسباب، ولا أحد يحاول التفسير... وأهي ماشية!