القاهرة 10 نوفمبر 2020 الساعة 11:14 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
أعلنت الأكاديمية الملكية في السويد مؤخراً عن تتويج الشاعرة الأمريكية "لويز جلوك" بجائزة نوبل للآداب لعام 2020، حيث اعتبرت الأكاديمية إن "جلوك" تستحق الجائزة لصوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعاً عالمياً على الوجود الفردي، حيث تشكل الطفولة والحياة العائلية والعلاقات الوثيقة بين الأهل والأشقاء موضوعاً مركزياً في معظم أعمالها، ومع الإعلان عن الفائزين بالجائزة يُفتح الباب لتساؤلات قديمة متجددة حول غياب العرب عنها منذ حصول الروائي الكبير "نجيب محفوظ" عليها عام 1988م؛ فلماذا تخاصم الجائزة العرب؟، وهل هناك اعتبارات سياسية معينة هي التي تحول دون وصول الأدباء العرب إليها مرة أخرى بعد محفوظ؟، أم أننا ـ نحن ـ الذين لا نقدم أدباً يستحق الجائزة؟
من وقت لآخر، تطال الأكاديمية الملكية في السويد تهم تجعل من قراراتها بشأن منح جوائزها المختلفة، وخصوصا جائزتي السلام والأدب، أنها غير حيادية، وذلك وفق معايير سياسية وعقائدية، وتدور تساؤلات أحيانا عن سر كون أكثر الدول منحًا لجائزة الآداب في العالم هى فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ولم تمنح لروسيا منذ إنشاء الجائزة عام 1901م سوى 4 مرات، كما أنها لم تمنح لعمالقة الأدب الروسي والعالمي، مثل ليوي تولستوي ونيكولاي جوجل ودوستوفيسكي وتشيخوف وغيرهم، وفي عام 1933م منحت الجائزة لأديب لا جنسية له من أصل روسي، أما أول جائزة منحت لأديب روسي عام 1970 لألكسندر سولجنسيتنين، بحسب بعض التقارير المهتمة بالشأن الثقافي، فإن المخابرات البريطانية والأمريكية تدخلت لمنح الجائزة إلى الروائي الروسي بوريس باسترناك لاستخدامها في الدعاية ضد الاتحاد السوفييتي، وقد منح نوبل في لأدب عام 1958م عن روايته "الدكتور زيفاجو" التي حملت انتقادًا للنظام الشيوعي في روسيا، وكان من اللافت أن السنوات الأخيرة دفعت بأدباء مجهولين للتتويج بالجائزة، بالرغم من أنه ليس لديهم إنتاج أدبيٌّ، من حيث الكم والكيف يؤهلهم للحصول عليها، وإن كان البعض يشكك في هذه النقطة على اعتبار أننا ـ نحن العرب ـ غير مطلعين على أدب وثقافات العالم بالقدر الكافي الذي يجعلنا نقدّر قيمة من حصلوا عليها.
من بين الشبهات التى تحوم حول منح الجائزة هو ما جرى عام 2016م من منحها إلى بوب ديلان لإسهاماته الشعرية وأثرها في الأغنية الأمريكية، ولم يكن إنتاج ديلان على درجة تجعله فى مصاف أدباء نوبل، فلم يكن يملك سوى مجموعات شعرية متواضعة، والرجل لم يكترث كثيرًا بالجائزة وامتنع عن الإدلاء بأية تصريحات بشأنها طوال 17 يومًا، رغم الاتصالات المستمرة من اللجنة المانحة، غير أن هناك أدباء عالميين مشاهير ترجمت أعمالهم إلى لغات عدة ولم يفوزوا بالجائزة مثل الياباني "هاروكي موراكامي" صاحب "كافكا على الشاطئ" وغيرها من الأعمال المجيدة. ولكن يبدو أن معيار جودة الأدب ليس هو الشرط الوحيد لنيل الجائزة، فهناك اعتبارات أخرى تدخل في الأمر، من أهمها بلا شك العوامل السياسية.
من المستغرب أن الجائزة قد منحت للعرب مرة واحدة فقط، حيث منحت للروائي العربي نجيب محفوظ عام 1988م، ولم تمنح الجائزة لا من قبل ولا من بعد لأي من الأدباء العرب الذين لا يقلون أهمية وإبداعًا عن نجيب محفوظ، فلماذا لا تصل نسبة العرب من الحاصلين عليها سوى 1%؟!، بمعنى أن أكثر من 25 دولة فى العالم لم يحصل منها إلا كاتب واحد فقط على نوبل فى الأدب، وفى مجمل نواحى الجائزة يحصل 6 عرب فقط عليها، ربما تكون قلة ترجمة الأدب العربي بحاجة إلى مراجعات حتى لا نظل نكتب لأنفسنا، ولا يعرف أحد عنا شيئًا هناك فى العالم الغربي، كذلك نحتاج إلى التوسع فى الإعلام عن كتابنا وأدبائنا، ونروج لها، فالنشر فى العالم العربي مازال عاجزًا، مرتبطًا بالقارئ المحلى ويفتقد إلى فكرة الترويج، فجزء كبير ممن يديرون نشر الأدب العربي مازالوا هواة، فنحن مهتمون بالترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية، أما العكس فضئيل جدا، كما نحتاج أيضا إلى أقلام نقدية مشهود لها بالكفاءة والحيادية للترويج لهذا الأدب عالميًا بدون ذلك لن يقرأنا أحد، وسنظل فى ركن قصي فى العالم نجلس لنتباكى، وربما يكون العرب مستهدفين بالإقصاء والتجاهل لأسباب سياسية وربما أيدلوجية أو عرقية.
خلال العام الماضي، توجت الكاتبة البولندية "أولجا توكارتشوك" بجائزة نوبل للآداب لسنة 2018 بعد إرجائها السنة الماضية بسبب فضيحة جنسية، في حين نال النمساوي "بيتر هاندكه" جائزة 2019، وقد أعلن الأمين العام الدائم للأكاديمية السويدية "ماتس مالم" أن "أولجا" كوفئت بالجائزة المؤجلة من عام 2018 "على خيالها السردي الذي يرمز من خلال شغف موسوعي إلى تجاوز الحدود كشكل من أشكال الحياة"، فيما كوفئ "هاندكه" بجائزة عام 2019 على أعماله "التي غاصت في فرادة التجربة البشرية، مدعومة ببراعة لغوية"، وبالرغم من تتويج "هاندكه"، إلا إنه يعد أحد الشخصيات التي تعتبر أنه ينبغي إلغاء جائزة نوبل للآداب، فبحسب رأيه هي "شكل من أشكال التقديس الزائف الذي لا يفيد القارئ بشيء".
وكان من المفترض أن تتسلم جلوك جائزتها من ملك السويد "كارل جوستاف" في مراسم رسمية في العاصمة ستوكهولم في العاشر من ديسمبر المقبل، وهى ذكرى وفاة العالم السويدي "ألفرد نوبل" الذي طلب في وصيته استحداث هذه الجوائز، لكن المراسم الحضورية ألغيت هذا العام بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، وسيتم استبدالها بمراسم متلفزة تظهر الفائزين يتسلمون المكافآت في بلدانهم، حيث تترافق الجائزة مع مكافأة مالية قدرها 10 ملايين كرونة سويدية (حوالي 1,1 مليون يورو). بأيّ حال فقد انتهى موسم الجوائز هذا العام، وعلى العرب أن ينتظروا حتى العام القادم، لعل وعسى نسمع عن صوت عربي يحصد هذه الجائزة المرموقة.