القاهرة 10 نوفمبر 2020 الساعة 11:13 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
أسطورة حقيقية في مجال الطب والإنسانية، فالأمر لا يتعلق بجراح قلب بارز بارع في مجاله، وإنما بإنسان يقدم نموذج ناجح للغاية ويضرب مثالًا يحتذى به في الإنسانية ومساعدة الآخرين، قبل أن يؤدي واجبه المعتاد، إنه السير د. مجدي حبيب يعقوب، الذي وُلِدَ في 16 نوفمبر 1935 في بلبيس بمحافظة الشرقية، والذي تنحدر أصول عائلته من المنيا، حيث درس الطب بجامعة القاهرة، حيث عشق مهنة الطب منذ الصغر وطالما حلم أن يكون جراحًا، وربما يرجع عشقه لهذا التخصص الدقيق إلى والده والذي كان بدوره طبيب جراحة عامة، وتعلم يعقوب في شيكاغو، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا في عام 1962 ليعمل بمستشفى الصدر في العاصمة البريطانية لندن، وهناك أيضا استكمل دراساته وحصل على درجة الزمالة الملكية في الجراحة من 3 جامعات بريطانية هي لندن وأدنبرة وجلاسكو، وعمل باحثاً في جامعة شيكاغو عام 1969، ولمهارته ترأس قسم جراحة القلب عام 1972م ، وقد عمل رئيساً لمؤسسة زراعة القلب في بريطانيا عام 1987، قبل أن يستقر في عمله كأستاذ لجراحة القلب والصدر في جامعة لندن، كما شغل يعقوب منصب مدير البحوث والتعليم الطبي ومستشاراً فخرياً لكلية الملك ادوار الطبية في لاهور في باكستان، إضافة إلى رئاسة مؤسسة زراعة القلب والرئتين البريطانية.
اهتم السير مجدي يعقوب بتطوير تقنيات جراحات نقل القلب منذ عام 1967، وفي عام 1980 قام بعملية نقل قلب للمريض دريك موريس والذي أصبح أطول مريض نقل قلب أوروبي على قيد الحياة حتى موته في يوليو 2005، ومن بين المشاهير الذين أجرى لهم عمليات كان الفنان البريطاني إريك موركامب، كما أنه واحد من أشهر 6 جراحين للقلب في العالم وثانى طبيب يقوم بزراعة قلب بعد كريستيان برنارد عام 1967، وله العديد من الإنجازات الطبية حيث قدم العديد من الأساليب الجراحية الجديدة لعلاج أمراض القلب وخاصة الأمراض الوراثية، إلى جانب العمل على ابتكار أساليب جديدة تساعد وتنمي مهارات الجراحيين بالشكل الذي يجعل جراحات القلب أكثر سهولة مما سبق، واستحداثه أساليب مبتكرة للعلاج الجراحي لحالات هبوط القلب الحاد، كما عمل على تأسيس البرنامج العالمي لزراعة القلب والرئة، ونجح نجاحاً باهراً في مجال زراعة القلب والرئة، ثم زراعة الاثنين في الوقت نفسه عام 1986م.
يطلق الإعلام البريطاني على السير مجدي يعقوب لقب "ملك القلوب"، وقد منحته الملكة إليزابيث الثانية لقب فارس في عام 1992، وكان قد حصل على لقب "سير" عام 1991، كما أصدر العديد من الأبحاث العالمية المتميزة والتي فاقت 400 بحث متخصص في جراحة القلب والصدر، وهو أول من ابتكر جراحة الدومينو، التي تتضمن زراعة قلب ورئتين في مريض يعاني من فشل الرئة، وفي الوقت نفسه، يؤخذ القلب السليم من المريض عينه ليزرع في مريض ثان، وقد أجرى ما يقرب من 25 ألف عملية خلال مشواره الطبي الطويل، منها 2500 عملية زراعة قلب، ولم يغفل طوال هذا المشوار الكبير أن يقوم بتدريب الأطباء على مستوى العالم كله، مؤكداً أنه بهذا ينقذ مريضاً قد لا يتحمل الانتظار حتي يأتي بنفسه لإجراء العملية، وهو يفخر في كل مكان بالأطباء المصريين الذين تتلمذوا على يديه، وأصبحوا قادرين على إجراء عمليات زراعة القلب بنجاح كبير.
لا تتوقف أعمال يعقوب الخيرية في مصر فحسب، بل تمتد لتصل إلى كل دول العالم، حيث أسهم في انشاء مؤسسة "سلاسل الأمل" للأعمال الخيرية عام 1995، لتقديم خدمات انسانية متنوعة لمرضى القلب من الأطفال في العديد من الدول النامية، كما اهتم بإجراء العمليات الجراحية مجاناً في مصر وذلك للأطفال الذين لا يستطيع أهلهم تحمل نفقات الجراحة والعلاج، وقد تبنت مؤسسة مجدي يعقوب الخيرية، بالتعاون مع (مكتبة الإسكندرية) برنامجا الأمراض القلب الوراثية على المستوى القومي، بدءاً بمحافظات أسوان والقاهرة والإسكندرية والمنوفية، كما أنشأ في أسوان مركزا لجراحات القلب لعلاج الحالات الحرجة لغير القادرين، هذا إلى جانب الاهتمام بالبحث العلمي لوضع مصر على الخريطة العالمية في مجال علاج أمراض القلب وجراحات القلب المفتوح.
فيما يخص الجوائز والتكريمات التي حصل عليها ابن النيل، السير د. مجدي يعقوب، نظراً لجهوده وتأثيره الفعال في مجال جراحة القلب، إلى جانب إنسانيته الفريدة في التعامل مع مرضاه، فقد فاز بجائزة الشعب عام 2000م والتي قامت بتنظيمها هيئة الإذاعة البريطانية، وتم انتخابه من قبل الشعب البريطاني ليفوز بجائزة الإنجازات المتميزة في المملكة المتحدة، وهى تقدم لتكريم أصحاب الإنجازات المتميزة فقط، كما حصل علي وسام الواجب الاول ووسام الجمهورية من مصر فى يوم الطبيب سنة 1988، هذا بخلاف ما حصل عليه من ألقاب ودرجات شرفية من كل ٍ من جامعة برونيل وجامعة كارديف وجامعة لوفبورا وجامعة ميدلساكس (جامعات بريطانية) وكذلك من جامعة لوند بالسويد، كما تم منحه جائزة فخر بريطانيا في 2007، وفي عام 2011، تم منحه قلادة النيل العظمي لجهوده الوافرة والمخلصة فى مجال جراحة القلب و قد استلمها بنفسه في احتفال كبير، ولا تزال جهود السير مجدي يعقوب مستمرة في خدمة قلوب البشر، بإنسانية ليس لها مثيل.