القاهرة 03 نوفمبر 2020 الساعة 01:53 م
كتب: علي سرحان- باحث آثري
لم تكن هناك قوة في حياة الإنسان القديم يسيطر أثرها على نشاطه كما يسيطر الدين ذلك لأن الدين كان منفذا للخيالات ومحاولة لتفسير الظواهر المحيطة بالإنسان, وكان الإنسان يعبد دائما عن رغبة أو رهبة , رغبة في المنفعة أو رهبة من المجهول والأخطار, والحياة لا تتأثر بالدين فحسب بل تختلط وتمتزج به امتزاجا يتأثر بالانطباعات الخارجية حتى يخرج من ذلك كله بمزاج يتطور مع القوى الكامنة في الإنسان.. هذا وكانت الطبيعة المبشر الأول للدين, والآلهة أو المعبودات في رأي الإنسان القديم كانوا كالبشر يمكن أن نرضيهم بالقرابين والتقدمات ولهم صفات البشر أحيانا, لقد كان الإنسان ينظر إلى الحيوانات البرية نظرة ملؤها الهيبة والرهبة بسبب ضراوتها أو قوتها.
امتزج الفكر العقائدي والحياة اليومية عند المصري القديم معاً ليكونا كتلة واحدة حيث تحكم المعتقدات الدينية تصرفات المصري وحياته الاجتماعية أيضاً، ولا شك أن المصري القديم كان مولعاً بالميل إلى التدين، ولديه شعور غريزي بالرهبة والخوف من كل ما هو مجهول ، وباعتبار أن الدين كان منفذاً للخيالات فقد حاول تفسير كل الظواهر المحيطة به ودفعه ذلك إلى تبجيل كل القوى التي تؤثر على حياته ونشاطه، إما رجاءً في خيرها وأملاً في حمايتها له، واتقاءً لشرها، ولذلك فإن الآلهة قد ظهرت كنتيجة لتأثر المصري القديم بالبيئة، وقد كانت الديانة المصرية القديمة نتاج تداخل عدد كبير من المعبودات القبلية، وذلك عندما أصبح لكل أسرة و قبيلة و إقليم معبوداته المحلية المتعددة، غير أن نفوذ كل معبود إنما كان أحياناً لا يقتصر على منطقته التي نشأ فيها وإنما كان يمتد إلى ما حولها من الأقاليم الأخرى، حسب أحوال البيئة التي تحيط بمنطقة نفوذه لا سيما الأحوال السياسية، فإذا عظم شأن قبيلة سياسياً تغلب معبودها على ما حولها من القبائل الأخرى دينياً واستمر هذا الحال حتى أصبح لمصر كيان سياسي ، وعندما بدأ الاتصال بين المقاطعات عن طريق التجارة أخذت بعض الآلهة المحلية تختفي وأخرى يعظم شأنها وأيضاً عند الحرب فإن إله المدينة المنتصرة يعظم شأنه ويعبد في كلتا المقاطعتين المنتصرة والمهزومة، وفي بعض الأحيان تندمج بعض الآلهة الصغيرة مع إله عظيم الشأن ويستولي على كيانهم فيصبحوا كيانا واحدا، وعند التوحيد بين الوجه القبلي والوجه البحري أصبح إله العاصمة هو المعبود الرئيسي وأصبحت بعد ذلك كل الآلهة الأخرى آلهة ثانوية وارتبطت الأقاليم مع بعضها البعض سياسياً وطغت معبودات أقاليم على معبودات أقاليم أخرى، وتقلص دور هذه المعبودات في أقاليمها الرئيسية، بالإضافة إلى دمج المعبودات مع معبودات أخرى .ووفقاً للديانة المصرية القديمة في مراحلها المبكرة فإن لكل إقليم من أقاليم مصر العليا والسفلى معبوداً خاصاً به، والذي يمثله بشكل إنساني أو حيواني أو مادي ، وكان المعبود المحلي هو معبود المدينة وسيدها وحاميها ، وكان ينظر إليه بأنه رب الإقليم وجميع المعبودات الأخرى.