القاهرة 23 اكتوبر 2020 الساعة 11:03 ص
على غرار ثورة التصحيح أو ما تعرف بأحداث مايو1971، وهو المصطلح الذي أطلق على عملية تنقيح الرئيس أنور السادات السلطة في مصر بعد إزاحته الناصريين؛ نحتاج الآن إلى ثورة تصحيح إعلامية –ثورة يقودها حزب أو مؤسسة أو قطاع– على مستوى التطوير؛ وإن كان ما يحدث منذ ثورة الثلاثين من يونيو وإلى الآن يؤكد أن إعلامنا المصرى يسجل تطوراً كبيراً على مستوى خطابه؛ وترجمته لواقع لمشروعات التنمية التى تقوم بها الدولة المصرية؛ ولكن هذا لا يمنع أن إعلامنا المصري مازال يشهد ارتباكاً على مستوى توحيد جهوده فى رأيي.
الارتباك فى تقييمى يعود لضعف بنية إعلامنا التحتية؛ والتى تتمثل فى المقام الأول فى تطوير وتدريب شباب الإعلاميين سواء من المحررين أو الإذاعيين أو المراسلين والمعدين حتى تقوى بنيتنا الإعلامية كما كانت فى عهود سابقة؛ خاصة أننا للأسف مازالنا نستعين بما أصفهم دائماً بأبناء الخطة الإعلامية الخمسية السابقة وهم من تربوا على خطابات إعلامية قديمة ومستهلكة ولا ترقى لمواكبة العصر الذى تواجه فيه الدولة المصرية من الشائعات ما يبث كالنار فى الهشيم، وبين الرد عليها وتفنيدها، ليس هذا وحسب، بل لا ترقى فى رأيي لترجمة رؤية القيادة السياسية التى تنتهج نهجا استشرافياً للمستقبل فى كافة القطاعات؛ وهو ما يجعلنا أمام فجوة واضحة وملموسة بين ما يبث عبر خطابنا الإعلامي وبين واقعنا الحقيقى الذى نتلمسه.
الحكومات المصرية المتعاقبة من بعد ثورة الثلاثين من يونيو، تتبنى رؤية استشرافية على المدى المتوسط لمدة خمسة عشر عاماً فى إدارة كافة مناحى الحياة فى البلاد تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، ومع ذلك تجد أصحاب الأقلام والممسكين بالميكروفونات أياديهم مازالت مرتعشة وحدود تفكيرهم مازالت تدور فى فلك الخمس سنوات ليس أكثر؛ لذا يشهد إعلامنا تراجعاً فى اللحاق بما تتبناه القيادة السياسة من رؤية استشرافية.
بالنظر إلى حديث الرئيس السيسى عن واقع الإعلام المصرى، خلال فعاليات مؤتمرات الشباب يؤكد انقطاع الإعلام المصرى، فلم يصبح قادرًا على تحقيق الأهداف المنوط به تحقيقها، وهو ما يرتبط بتراجع تطوير هذا القطاع منذ سنوات، وعدم قدرة المسئولين على إنتاج خطابات إعلامية استشرافية ترى بعين المستقبل؛ علاوة على تراجع تطوير مهارات التفكير لديهم والتى تستوجب التخلى عن أنماط التفكير التقليدي لمواكبة ما ترجوه الدولة المصرية.. لأن زمن "الخطة الخمسية" فى اعتقادى قد ولى.
للتأكيد على صحة ذلك بأن إعلامنا مازال هو إعلام "الخطة الخمسية" وأن هناك فجوة بين مشروع الدولة المصرية "رؤية مصر 2030" وبين الخطاب الإعلامى الذى تنتجه مؤسساتنا الإعلامية، سواء القومية أو الخاصة، سأبرهن لكم ذلك من خلال استعراض بعض ملامح التطوير التى أعلنها القائمون على صناعة الإعلام فى مصر ولكم كل الحق فى ما ترونه، أولا على الرغم من الثورة التكنولوجية الهائلة التى تقود كافة المجالات والأنشطة والصناعات فى الإعلام بما فيها صناعة الإعلام التى انطلقت منذ سنوات، فإننا فى مصر نجد أن المؤسسات الصحفية التى أعلنت عن تحول صالات تحريرها لغرف أخبار مدمجة فقط مؤسستين صحفيتين قوميتين والإعلان كان فى العام الجاري على الرغم من أن مشروع رؤية مصر انطلق منذ 4 سنوات، إضافة إلى أن كافة المؤسسات الصحفية "القومية والحزبية والخاصة" مازالت تتمسك بآليات العمل التقليدية التى تتمثل فى صالات تحرير نمطية بعيدة كل البعد عن توظيف التكنولوجيا إلا ما ندر.
أما فيما يتعلق بخريطة برامج "التوك شو"، ستجد أن نسبة الفقرات الترفيهية تغلب على المحتوى الذى يقوم على متابعة وتحليل وتسليط الضوء بشكل رئيسى على المشروعات التنموية التى تفتتحها الدولة المصرية بشكل يومي، وشرح إيجابياتها وانعكاس ما تتيحه من خدمات تسهم فى تذليل العقبات التى تواجه المواطن المصرى، وأيضاً تسليط الضوء على التحديات التى تواجه هذه المشروعات، وكذلك هى بعيدة للأسف عن نقل صوت المواطن أيضاً إلى صناع القرار فى مصر، وهى كلها أمور لا تكشف إلا عن رؤية تقليدية لا تتجاوز حدود "الخطة الخمسية" فى ظل دولة أعلنت منذ نحو أربعة أعوام عن رؤيتها حتى 2030.
المحتوى الإذاعي يغلب عليه معالجة القضايا الداخلية التقليدية، فلم أر منذ سنوات على سبيل المثال برنامجاً إذاعياً يناقش مستقبل الدولة المصرية، ويستعرض التحديات وسبل التغلب عليها مع علماء المستقبليات فى مصر فى كافة التخصصات، أو حاول ذات مرة إذاعي أن يجعل آفاق المستقبل فى معالجته للقضايا محوراً رئيسياً يدعونا لإعادة النظر كمستمعين فى مواقفنا وخططنا الحياتية داخل مجتمعنا، وهو ما ينم للأسف عن غلبة العقلية التقليدية التى مازالت تخشى أن تخطو خطوة واحدة نحو المستقبل وتفضل البحث فى الماضى أو على أفضل تقدير حاضرنا فقط، وهو ما لا يخدم إطلاقاً مشروع الدولة المصرية المستقبلى، ويجب إعادة النظر فى الخطط البرامجية الإذاعية والتليفزيونية، وأتمنى أن يحدث ذلك فى الخطط البرامجية الجديدة التى قد تحدث خلال العقد القادم (2020-2030).
بعد كل ما ذكرته.. لكم أن تحكموا: هل إعلامنا تحرك ولو خطوة واحدة نحو المستقبل وهل قام بدوره نحو مشروع مصر "رؤية 2030" أم مازال يتمسك بكونه وريثاً شرعياً لـ "الخطة الخمسية"؟.