القاهرة 20 اكتوبر 2020 الساعة 09:15 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
فى الآونة الأخيرة، ازدادت كتابة ونشر روايات الرعب، ربما كان مبعث ذلك هو ذوق الكثير من الجيل الجديد؛ لذا سارع الكتّاب وراء رغبة القراء (ما يطلبه المستمعون) لكن للأسف أغلب هذه الكتابات إما منسوخة من الأفلام الأجنبية أو حكايات أغلبها مبتذل عن الجن الذى يستحوذ على إنسان، تلك التى يتقاطر منها الدم ويتزوج فيها الجن من الإنسان، أو العروس التى يخطفها ملوك الجان ليلة عرسها. لكن رواية اليوم أثبتت عكس ذلك تماما.
رواية "جنينة المحروقي، بقلم يحيى صفوت" هذه الرواية، المصنفة ضمن روايات الرعب، ابتعدت كل البعد عن ابتذال المتخم به هذا النوع من الكتابة.
تحكي رواية "جنينة المحروقى" عن ذلك الشاب الذى يعود من سفره من إحدى بلدان الخليج، بعد غياب خمسة عشر عاما كاملة، وسيكتشف فيما بعد أنه كان حاضرا فى وطنه وبيت أمه على نحو ما وكانت هذه بداية الجحيم.. عاد بعد أن عرف بخبر وفاة أمه؛ ليبدأ بعدها رحلة من عذاب الضمير. يكتشف أن حيه الذى ولد ونشأ فيه صغيرا شبه مهجور ولم يتبق من ساكنيه القدامى سوى القليلين؛ لكنه اكتشف أيضا أن هؤلاء القليلين القدامى والسكان الطارئين الجدد، يخبئون عنه ما لم يتخيله أو يأتي إلى ذهنه فى أسوء كوابيسه.
شبح ثائر يطلب الغفران
جوهر الرواية هو ذلك الشبح الذى يسكن حديقة الحي القديم، الحديقة المتداعية. لكن ما ميز هذا الشبح عن غيره هو أنه كان شبحا نادما على قتل أنفس فى حياته وقرر أن يمنح الأمل للآخرين راجيا من ذلك الغفران على ما فعله فى حياته عندما كان لا يزال إنسانا. "المحروقي" هو اسم لإنسان، عاش قديما، ربما منذ أكثر من مائة عام، فى الصعيد. كانت بين عائلته وعائلة "الغفافرة" ثأر. وأخذ الثأر من أولاد المحروقى الأربعة، وماتوا؛ مما جعل نار الغضب والتعصب تطلب الثأر، فلا يستدعي الدم إلا الدم.
ذهب المحروقي إلى بيت من يطلب منه الثأر وقتله وزوجته وأحرق البيت بمن فيه، خاصة بعد أن ظن أن أولاد عدوه ينامون فى البيت الذى أحرقه. وكان مقصده من ذلك أن يقطع نسل تلك العائلة تماما.
بعدها هرب المحروقى بعدما تأكد من تحقيق هدفه. بالتأكيد هرب للقاهرة كي يتوه فى الزحام. واستطاع بمساعدة أحدهم أن يحصل على عمل كحارس لإحدى الحدائق فى حي قديم، الحى الذى ستدور فيه الحكاية كلها.
عاش الرجل وسط الناس دون أن يعرف أحد ما وراءه. أطفال الحي، والذى كان البطل "كريم" أحدهم، سمع كغيره من الأطفال عن الأساطير التى حيكت عن الرجل. مضت السنون، والرجل يأكله الندم على شناعة صنيعه بعائلة الغفافرة.
وبعد زمن، مات الرجل. لكن بعد بضعة أيام، رأى بواب أحد البنايات شبح المحروقي. كان أول من صدق ما رأى.. وكان البواب "محروس" مفجوعا فى وفاة ابنه منذ أيام قليلة. ومن هنا بدأت حكاية تكفير شبح المحروقي عن ذنبه.
البداية
جاءت البداية من عند "محروس" البواب الذى حكى للشبح "المحروقي" عن موت ابنه الحديث، وعندها قرر الشبح عقد صفقة مع محروس لمساعدته فى إطفاء نار فاجعته على ابنه، ومن بعده بقية أهل الحي، وذلك عن طريق أن يجعلهم يروا موتاهم الأعزاء يوما واحدا كل أسبوع، فى مقابل ألا يخرجوا من الحي، وقد كان. منذ ذلك الحين بدأ أهل الحي من يموت له عزيز، يستطيع أن يراه يوما كل أسبوع، ويستطيع أن يقدم أهل لهذا الميت المبعث، ما يحب من الطعام، ويهيئون منازلهم ومظاهرهم لاستقبال الضيف الأسبوعي، ويتركون له مفتاح البيت أسفل "دواسة" باب بيتهم، كما كانوا يفعلون فى حيواتهم؛ لذا كان البواب يأتى بمن يوشك أحد أحبائه على الموت، يقيمون يوما أو بعض يوم ثم يغادرون. لكن لم يصلح الهروب، فقد كان هذا شرط المحروقى، من يُبعث من الموت اليوم لا يمكن أن يهرب إلى مكان آخر. وكان شبح المحروقي يفعل ذلك من باب إسداء المعروف لأهل الميت عسى أن ينال بذلك مغفرة على ما فعل قديما. من بين هؤلاء الموتى المبعوثين "أم كريم" وأبوه. وكل من مات من أهل حيه الأقدمين.
التحليل المنطقي المتضافر مع الفنتازيا
من أهم شخوص الرواية، ضابط الشرطة "أمير" الذى مثّل الخط المنطقي العقلاني للأحداث، وفى الوقت عينه استطاع ربطه بما هو أسطورى، ليصل لأصل القصة كاملة.
كان "أمير" واحدا من أطفال الحي، كان أصغر من "كريم" لذا لم يتذكره "كريم" جيدا. وكان قد سمع ما سمعه كل الأطفال قديما عن الحكايات التى تروى عن المحروقي، والتى كانت أحد أهم دوافعه لدخول كلية الشرطة، حتى يكشف المزيف من الحقيقي فيما سمع قديما، ومما زاد من إصراره على كشف الحقيقة، اختفاء أحد لواءات الشرطة الذى كان يقطن أحد البنايات فى الحي وكان مريضا مرضا مميتا، بجانب الكثير من حوادث الاختفاء التى كانت تحدث فى هذا الحي. أخيرا واتته الفرصة بعد تلقيه مكالمة من مجهول يفيده بحادثة وقعت لأحد سكان الحي.. وفى ذلك اليوم قابل بالصدفة "كريم" الذى كان قد وصل للتو من سفره.
"أمير" هو من سيحكى كل حكاية المحروقي، وهو الذى سيتوصل إلى حل اللغز، وهو من سيمنح شبح "المحروقى" الراحة الأبدية، ليفك أسر الأموات الذين علقوا معه فى منزلة بين الحياة والموت. وبعد الكثير من الحوادث والأحداث المثيرة، سيصل الضابط إلى أن يبلغ الشبح، بأن ما ارتكبه من شناعة قديما لم يكن كما اعتقد.
فبعدما ظن المحروقى أنه أباد عائلة ونسلها عن آخرهم، أتى له الضابط بشهادات ميلاد أبناء وأحفاد العائلة التى ظن أنه حرقهم جميعا، ففى الليلة التى أشعل فيها النار فى ذلك المنزل لم يكن الأبناء يبيتون فيه. واستطاعوا النجاة وأكملوا الحياة وأنجبوا نسلا آخر. وبعدها اطمئن الشبح إلى زوال بعض جرمه، فهدأت روحه، واستكان إلى الراحة الأبدية هو وبقية الأموات، وغفر لنفسه، وسامح عالم الأحياء الذى طالما روعهم.
يذكر أن مؤلف الرواية الكاتب يحيى صفوت هو مهندس وكاتب مصرى متخصص فى أدب الرعب والتشويق، والرواية صدرت مؤخرا وحصدت أعلى مبيعات معرض كتاب القاهرة عام 2020، وصدرت عن دار العين.