القاهرة 13 اكتوبر 2020 الساعة 11:36 ص
بقلم : محمد حسن الصيفي
لا يمر يوم تقريبًا دون أن أشاهد فيلم الأيدي الناعمة على قناة من القنوات، لا أعرف إن كنت أطارد الفيلم أم أنه هو الذي يطاردني، لكنها مطاردة لذيذة في كل الأحوال، والفيلم يجذبني في كل مرة لأقضي الوقت أمامه أثناء تناول طعام الإفطار أو الغداء، وهنا وجدت السؤال يحاصرني: لماذا الأيدي الناعمة بالتحديد؟!
والإجابة هنا لا تحتاج إلى عبقرية نادرة، الإجابة بسيطة، نفس بساطة الروح التي تصل إلينا من الفيلم أثناء العرض على الشاشة، موسيقى ناعمة، وتمثيل هادئ، وتنويعات جميلة لمشاهد في القصر الأنيق أو في الحديقة أو على شاطئ الإسكندرية أو حتى في المشهد الختامي من العوامة في النيل.
وبعيدا عن نغمة التوجيه المرتفعة في الفيلم، فأنت تشاهد صورة طيبة ومصر من تلك النوعية التي نحبها، نسخة مصرية مفعمة بالأمل، ليس من خلال سيناريو مشحون بكلمات عن قيمة العمل والصناعة والكسب من عرق الجبين؛ إنما من خلال الصورة، الصورة التي تعطي لعينيك البراح للتخيل أو "السرحان" والرجوع بالذاكرة لمشاهد جميلة قضيتها على أرض المحروسة.
أكتب هنا؛ لأنه لم يعد هناك أفلام حديثة تشاهدها بارتياح عن مصر، اللهم إلا عسل أسود أو محاولات أحمد عيد المجتهد في ياباني أصلي، باستثناء ذلك نحن نشاهد أفلامًا يائسة وبائسة ومحدودة الخيال ولدى صناع هذه الأفلام قصور في فهم المعالجة السينمائية، أقربهم فيلم في يوم وليلة لخالد النبوي ومجموعة أخرى من النجوم، وهو فيلم سيء وكئيب وقابض، فيلم من تلك النوعية التي تمنحك جرعة مركزة من اليأس والكآبة بدون منطق أو مبرر، فيلم يجمع كل عورات المجتمع بطريقة فجة لمدة ساعة ونصف، ولا يمكن أن تكون تلك معالجة سينمائية لفيلم يتحدث عن سلبيات المجتمع، الفيلم خرج عن إطاره، عن كونه فيلم سينما يحمل عناصر عديدة ومميزة وأهمها الخيال والتصور والعاطفة الصادقة، بل خرج في شكل تقرير مركز للغم والكآبة، ونجح الفيلم في أمر واحد وهو إرسال صورة كئيبة مشتتة ومشوهة عن مصر.
ولا أحد ينكر السلبيات، ولا ينكر أن المجتمع غارق في سلبياته منذ عقود، وأن الفن يجب أن يكون مرآة للمجتمع ومشكلاته، لكننا نقف دائمًا على الكيف، كيف تصنع فيلم سينما وليس فيلمًا وثائقيًا أو تقريرًا صحفيًا.
هذا الفيلم وغيره من الأفلام التي شاهدتها مؤخرًا بمثابة علقة، وإذا أردت الهروب من أفلام الأكشن وسرقة المليارات في مسلسلات رمضان ستصطدم بأفلام من المفترض أنها واقعية؛ لكنها أبعد ما يكون عن مفهوم الواقعية الحقيقي، بل مجرد أطروحات مهترئة تقدم معالجات وحشية لمشكلات المجتمع المصري، معالجات خالية من الإبداع ولمسة السينما الناعمة، خالية من موسيقى مبدعة. وهنا لابد أن نذكر الكيت كات وموسيقى راجح داوود العبقرية التي حولت فيلم نظريًا "في منتهى القسوة والخشونة" إلى حالة من حالات التفكر والتأمل والشجن والحزن الرحيم.