القاهرة 29 سبتمبر 2020 الساعة 11:22 ص
عاش الذكريات: صلاح صيام
في حياة كل مبدع ذكريات جميلة أحيانا وحزينة غالبا، وهى ما تبقى عالقة فى الذاكره لتذكرنا بكل ما هو مؤلم و جارح.. الشاعر الثائر بابلو نيرودا يقول عن المذكرات إنها تسجيل لصور فوتوغرافية؛ أما الذكريات فهي تسجيل لوحات تشكيلية من صنع فنان نحت الألم في قلبه الكثير. والاقتصادي الشهير السيد أبو النجا كتب سيرته الذاتية بعنوان "ذكريات عارية" وهو عنوان دال وموح. وفي مذكرات خالد محيى الدين أراد أن يطلق عليها اسم "ذكريات خالد محيى الدين" إلا أن الكاتب الكبير رفعت السعيد أقنعه بأن العنوان الأنسب هو "الآن أتكلم".
(فى هذه السلسلة نحاول الغوص فى أعماق المبدعين، نستخرج ذكرياتهم المحفورة فى الذاكرة والتى لا تختفى بفعل الزمن أو أشياء أخرى.
ونواصل اللقاء مع الشاعر نادر ناشد الذى يقول:
ما أن يحل شهر سبتمبر إلا وتنمو في ذاكرتي مجموعة من الخفايا التي تظهر فجأة وتشكل بداخلي أحيانا حالات من وضوح الرؤية التي كانت بعيده عني
أتذكر اليوم ذكري رحيل صديق عمري وصديق الدراسه الجامعية المهندس الخلوق المحترم علاء كمال الشناوي ابن الفنان العملاق أحد نجوم السينما المصرية وأحد رموز الفن الصادق الجاد في كل أعماله، كان شامخا رحمه الله
أما علاء فكان مهندسا معماريا تزاملنا سنوات الدراسة الخمس، وكان له نشاط ثقافي كبير وقد كنا معا عضوين في اتحاد طلاب الهندسة وخلال ثلاث سنوات على ما أذكر كنا في قمه التفاهم. أصدرنا مجلة حائط، حاولنا أن نحولها إلى مجلة مطبوعة، ولكن كانت هناك عراقيل رقابية وترك لي علاء رحمه الله هذه المهمة، وقاومت حتى أصدرتها مجلة أدبية، وكانت تستنفد كل أموالي ولكن فرحة صدورها قد تحولت إلى إدمان وكان رحمه الله يضحك ساخرا بعد كل عدد ويقول نفدت من الأسواق رأيت بعيني الناس تتقاتل للحصول على نسخة ثم ينظر لي ويقول يا أخي ارحم الناس.
وكنا نضحك خاصة حينما عرف أنني بعد التخرج نويت أن أعمل في الصحافة، وظن في بداية الأمر أن الأمر مزحة وهزار ولكن حينما تأكد من صدق كلامي وما أنويه قال ولكنك لم تجد الطريق سالكا يبدو أن الأمر صعب فقلت له جدا خاصة في الجرائد الكبري مثل الأهرام والأخبار.
وبعد أسابيع جاءني فرحا وقال خلاص يا عم وجدت الحل سأكلم الوالد ليوصي الأستاذ عبد الله عبد الباري رئيس مجلس إدارة الأهرام ليسهل تعيينك وقلت له فرحا يا ريت دي تبقي خدمة عمر.. والتقينا مرات عديدة وفوجئت به أنه لا يرد على هذا الموضوع فالتزمت الصمت، وحينما عملت بعد ذلك مجله الإذاعة والتليفزيون أصريت أن أجري حوارا مع الفنان الكبير كمال الشناوي وبعد أن انتهى الحوار حدثته عن صداقتي لعلاء نجله واستفسرت منه عن عدم تحمسه للوساطة التي اقترحها علاء، فقال لي كلمة اعتبرتها درسا لن أنساه ما حييت، قال لي يا ابني أنا رأيتك اليوم كاتبا صحفيا مرموقا.. وحقيقي سعدت بمستوى ثقافتك.. وأنت هل وصلت لهذا المكان بالواسطة فقلت له إطلاقا وصلت بالعناء والتعب واللف على الجرايد والمجلات..
وقال لي العملاق كمال الشناوي ستكون كاتبا كبيرا بإذن الله أما الوساطة فستصنع منك إنسانا عاجزا يحتاج في كل خطوه إلى من يسنده.
وقابلت فناننا الكبير مرات في أتيليه القاهرة، والمعروف أنه فنان تشكيلي مهم كنت أراه يحضر معارض فنانين كبار مثل جورج البهجوري وبهجت عثمان وعبد الهادي الوشاحي وغيرهم، إلى جانب حضوره معارض فنانين شبان بعضهم يقدم معرضه لأول مرة، وكان يشجعهم وكنت أسعد جدا بتلك الملاحظات و بتلك الأستاذية.
رحم الله العملاق كمال الشناوي ورحم الله ابنه علاء الذي لم يحتمل رحيله فرحل بعده بأقل من عامين في أغسطس 2011.