القاهرة 15 سبتمبر 2020 الساعة 11:29 ص
بقلم : محمد مختار عبد الحق
من الصعوبة معرفة كيفية أو طريقة عمل الآلية التي يتحول بها شكل ما إلى نوع منفصل، هذه الآلية التي قد تكون هناك عوامل كثيرة ومعقدة فى تكوين النوع، مثال السينما كشكل، كطريقة للتعبير لم تتحول إلى نوع إلا بعد تحولات وصراعات كثيرة لوجودها بين مناطق كثيرة منها علوم بصرية وأدوات فنية معقدة أيضا، تطورت وصنعت لها كيانا مختلفا عن بقية الأنواع الأخرى، التي في يوم ما نافست السينما وأحيانا بعض الأنواع قدمت مستويات تضاهى السينما في التطور، كالرواية مثلا.
ولكن ما يهمنى هو كيف يمكن أن تكون الجرافيك نوفل أو الرواية المصورة أو ما يسمى في اليابان (مانجا) وفى الصين (مانها)، ولكن كلها مسميات لطريقة في العمل عبارة (صورة وكلمة). ولكن المسمى قد نتفق على تسميتها أين كانت ليس المهم الاسم أو طريقة التسمية ولكن أن يكون الاسم حين ينطق يدل على النوع.
فلنتفق على اسم رواية مصورة مبدئيا، ولكن لماذا رواية و لماذا مصورة؟
رواية تأخذ اسمها من أنها فورم أو شكل موضوع في كتاب من مجموعة أوراق، مثل أى كتاب كشكل، ولكن مصورة بمعنى الصورة متحكمة في وجوده، بمعنى أنها صور بالأساس تحكى قصة ما، وهذا أيضا مختلف عن حكاية قصص بالضوء مثل السينما، خصوصا حين يكون الشكل الجديد، شكلا بالقوة ليس بالفعل، وهو موجود ولم يتطور تطورا كاملا، خصوصا في مجتمعنا، ولكن تطور إلى مناطق واسعة في ثقافات أخرى، ولكن من هذه النقطة قد نستطيع أن نسأل: كيف يمكن أن يكون شكل ما قادم من أشكال قديمة جدا تاريخيا، فالرسوم على جدران المعابد والمقابر الفرعونية هو أقدم شكل لسرد حكاية بالصور، ولكن هذا لا يعنى أن هذه الرسوم هي رواية مصورة، ولكن الرواية قادمة من فن الكوميكس الذي هو وسيط فني يستعمل في أشكال كثيرة، أفلام الأنيما، في الستورى بورد الخاص بأفلام السينما ويستخدم في مناطق كثيرة كالإعلانات وغيرها ولكن هو وسيط في الراوية المصورة أو الرواية الجرافيكية، التي لها تاريخ حديث نسبيا.
وكل الأشكال التي صارت أنواعا بطرق مختلفة مثال الرواية المكتوبة لها تحولات وتاريخ طويل حتى أصبحت نوعًا منفصلًا له رواده و مجدديه، ولكن الاعتراف بها كنوع أخذ وقتًا ومساحة أتاحت الرواية المكتوبة أن تتطور.
السينما كشكل كان لها بدايات تاريخية من قوانين الضوء إلى الصور الفوتوغرافية وأشكال أخرى، وأشياء لها علاقة بالعلوم وأشياء لها علاقة بالفن وتداخلات وصراعات حتى تحققت كنوع.. وأعتقد أن الرواية المصورة سوف تأخد مسارها في تصاعد كوسيلة للتعبير، وكنوع فني مختلف.
حقيقة أول مرة رأيت رواية مصورة في مكتبة للكتب المستعملة، وجدت كتابا باللغة اليابانية حجمه بحجم الكف وكله رسوم توقعت أن يكون كتابا توضيحيا لشيء ما، أو شيء من هذا القبيل. وطبعًا الكتاب يقرأ من اليمين إلى الشمال بحكم أن اللغة اليابانية تكتب من اليمين إلى الشمال لأنى قرأته بالعكس على أساس أنها لغة أجنبية لا أعرف عنها شيئا، وأخذت أتابع الرسوم وجدتها تحكى قصة ما غير واضحة، ولكن ذهلت وظللت أقلب الكتاب في يدي أيام، وأسأل نفسى ما هذا؟ وبحكم علاقتي بالفن بطريقة أخرى وكنت أعتبر فن الكوميكس فن درجة ثانية ولم أتخيل من فرط إعجابى بهذا الشكل أن الكوميكس وسيط لنوع آخر هو الرواية المصورة كمجال متسع تمامًا مثل السينما، بعض الناس يعتبر الرواية المصورة فيلما؛ لأنها صور وكلمات، ولكنها ليست كذلك، إنها رواية مرسومة بالكامل، وليست فيلما سينمائيا.
أنا تربيت على مجلات الأطفال، على مجلة سمير وميكى والمغامرين الخمسة. كانت أمنيتى أن أزور المعادى وأرى الأماكن حيث عاش المغامرون الخمسة التي كان يكتبها محمود سالم وكان بها بعض الصفحات المرسومة، ولكن لم أر في حياتي كتابا كله بالرسوم ويحكي قصة، إلا كتابا صغيرا كان باللغة العامية يدرس في المدراس الابتدائية، رسوم الفنان حسين بيكار.. وجدته بالصدفة في مكان للكتب المستعملة أيضًا، وكان في منتهى الروعة ولكن فقدت تلك النسخة بعد ذلك؛ لأن هذا الكتاب كان يدرس لجيل سابق علي، الكتاب صغير الحجم ورائع وباللغة العامية، ولا أتذكر الحكايات الآن.
إن الشكل نفسه لم يتحقق له الوجود في أجوائنا إلا عام 2008برواية مترو للفنان مجدي الشافعي.
ولكن بعد حصولي على الرواية اليابانية بدأت أبحث ودخلت في عوالم وأنواع وكتب بالمئات ومدراس وبلاد وثقافات واكتشفت أن النوع نفسه لم يتحقق له الوجود في مصر، أو في المنطقة العربية، هناك الكثير من الفنانين ولكن قليل من الروايات المصورة، وطبعًا لظروف النشر وتوزيع الكتب وعدم وجود دور نشر متخصصة في هذا النوع قد أُجل وجوده قليلا.
ولكن السؤال الذي حيرني: هل هي رواية، لا، ليست رواية بالمعنى المتعارف عليه للرواية وهل هي كتاب رسم وهل هي سينما مرسومة أو لوحات بصرية تحكى قصة، مثل اللوحات المائية أو الزيتية،لا، ولكن وجدت أن الرواية المصورة نوع قادم من الكوميكس كوسيط، نوع مختلف تمامًا عن الأنواع الموجودة بالفعل لأنواع التعبير، أقصد نوع مختلف له صفاته وله طرقه في التعبير وقد يكون نوعًا ما في طور التكوين أو في طور التحولات التي قد تجعله وسيلة مختلفة للتعبير.بدءًا من الرسم كنوع من الفن، ولكن قد يرسم الفنان رجلًا وقد يرسم تخطيط مدينة أو بيتا أو شكلا هندسيا مجردا ولكن الرسم قد يكون تجريديا، أى أشكال هندسية خالصة، لكن الجرافيك نوفل ليست شكلا تجسيدا.. إنها نوع يحكى حكايات بأدوات الرسم ولكن لا تحكى بشكل تجريدي، إنها ليست نوعًا لا يحكى شيئًا.
إذن، السرد طاقة من طاقات الرواية المصورة، ولكن القصة القصيرة تسرد أيضًا، أشكالا من السرد ولكن لماذا الرواية المصورة تحكى القصص بطريقة مختلفة، بالرسم وبالصورة تحكى حكايتها التي تسردها صورا، لكن أيضا السينما تحكى بالصور، فالفرق هو أن الرواية المصورة تسرد بدون زمن، السينما تسرد بالضوء وبزمن متحرك، لكن الرواية المصورة زمنها أبدى دائم لا يتحرك، لو نظرت إلى كل صفحة أو شخصية، هي ثابتة في الصفحة إلى النهاية لا تتحرك، ولكن اللوحات أو النحت يحكى قصصا وأيضا زمنه أبدى وثابت، مازالت الموناليزا وزهور فان جوخ كما هي مكانها لن تتحرك، لكن الرواية المصورة زمنها أبدى ولكن متطور يتحرك للإمام ويعود للخلف مثل الرواية، ولكنه ليس رواية، فالرواية المصورة قد تحكى بالرسم بدون كلمة واحدة إلا عنوان الكتاب مثلا، وبقية الرواية رسوم تتحرك بدون كلمات والصور تحكى وتنقل الحدث، ولكن لا يوجد رواية مكتوبة عادية ورقها أبيض فارغ من الكلمات.
قد تكون المبررات خيالية، ولكنها حقيقة غير ممسك بها، والخلاف يدور في أماكن كثيرة في العالم حول: هل الرواية الجرافيكية أو المصورة نوع منفصل عن بقية الأنواع؟ وحتى عن الوسيط التي هي قادمة منه "الكوميكس"؟
قد يكون هناك نوع ما مثل (المانجا) وهو الاسم اليابانى للرواية المصورة،معروف وشعبي ولكل الأعمار، وله في اليابان تاريخ قديم ، هناك كتب مصورة تحكى قصصا من زمن بعيد ولكنها كانت محدودة العدد وللنخب وقتها، وتطورت بعد الحرب الثانية وتحولت القصص المصورة (المانجا) إلى شكل شعبي ويوزع ملايين النسخ، وقد تجد روايات (مانجا) فنتازيا و رومانسية وتاريخية، وأيضا روايات بوليسية ومغامرات وأعمال روائية مثل أوجين أوستين تحولت إلى روايات مصورة فى اليابان.
وهناك عشرات الأعمال الأدبية لشكسبير وأوسكار وايلد ومعظم أعمال كافكا تحولت إلى روايات مصورة وأيضا ديستوفسكى، ولكن طريقة التعامل مع نص أدبي وإعداده إلى رواية مصورة تختلف تماما عن النص الأصلى وله سياق مختلف وطرق أخرى في التعبير تماما، مثل السينما حين تعمتد على نص روائي مكتوب، لا يمكن الحكم على الفيلم أنه الرواية، إنه نوع آخر له طرق في فك شفرات العمل الروائي وإعادة صياغته إلى نص له زمن آخر وطريقة أحرى في التعبير في سياق مادة الفليم الكيمائية والفنية، كذلك الرواية المصورة حين تتعامل مع النص الروائي المكتوب لها قواعدها وصيغها التي تعيد بها وتشكل النص الروائي المكتوب إلى نص بصري بطريقة أخرى هي الأخرى لها نظامها وأداؤها مثل الرواية المصورة.
الرواية المصورة هي طريقة فنية مختلفة ونوع له قدراته، وقد تتحول مع الوقت إلى نوع له القدرة على إنتاج أفكاره وتطوير شكله وتحقيق تنافس مع الأنواع الأخرى ككل شيء يتكون ويتطور بالمنافسة مع الأنواع الأخرى.
في فن السينما، بعض الروايات الجرافيكية تحولت إلى أفلام سينمائية ناجحة، وأيضًا بعض الأفلام السينمائية تحولت إلى روايات مصورة وخضع الفليم السينمائي الذي تكون مدته ساعة ونصفا مثلا إلى قوة الرواية المصورة في 100 صفحة مثلا، وخضعت الرواية المصورة إلى قانون السينما حين أراد بعض كبار فناني الرواية المصورة يضغط على تحويل روايته بالنص إلى فيلم سينمائى وفشلت النتيجة؛ لأنه أخضع السينما كنوع إلى الرواية المصورة كنوع آخر لها نظام مختلف، هنا الأنواع المنفصلة تتطور من علاقتها بالأنواع الأخرى، ليكون مهما أن نؤسس تاريخًا للرواية المصورة ولكن أبسط مثال: هو رسوم القدماء المصريين على جدران المقابر التي تحكى مشاهد منفصلة عن بعضها ولكن تربطها حكاية واحدة أو شرح فكرة واحدة، وأيضًا رسوم الواسطي في المقامات، ولكن هذا التاريخ يحتاج إلى مقالة أخرى ليؤكد أصالة النوع، ولكن لا شىء بالفعل أصيلا؛ لأن كل أصيل قادم من نسخة قبله. ففي النهاية لا أصل حيث كلها نسخ من نسخ، ولكن معرفة كيف وجد النوع وكيف تطور وليس البحث عن أحقية ثقافة ما في أن نوعًا ما يخصها، الرواية المصورة موجودة في كل الثقافات، فمثلا في الهند استعمل الفنانون الرواية المصورة في حكى تراثهم وأساطيرهم وتاريخهم، وفى الصين الطريقة موجودة في تاريخ الصين وتطورت واستعملها الثوريون في عهد ماو تسي تونج، كوسيلة شعبية تحكى حكايات نضال وبطولات الشعب الصيني. وفى بلجيكا تاريخ طويل متطور للنوع نفسه. وفى أمريكا من بداية القرن العشرين، وأكيد شخصيات مثل سوبر مان وباتمان وطرزان نماذج لفن الكوميكس الذي تطور إلى روايات مصورة معروفة. في أمريكا اللاتينية أنواع مختلفة في كل بلد، وقد وجد نوع في المكسيك يحكى قصص رعاة البقر ومغامراتهم، واندهشت لأن القصص من هذا النوع في أمريكا الشمالية ولكن في المكسيك هاجس أن هذه المهنة وأن هذه المناطق تخصهم هم، وقد خسروها في الحرب الأمريكية المكسيكية، وهذه القصص تعيد لهم مجدا ما. وعادة تكون هذه القصص للبالغين؛ لأنها تحتوى على بعض المقاطع التي تحكى عن مغامرات الكاوبوى مع المرأة.
من هنا؛ فالرواية المصورة أو الجرافيكية أو المانجا أو (مانها) فى الصين، بعدة لغات، نوع له قواعده ونظامه ويتطور بسرعة وأصبح وسيلة فنية يستعملها كثير من الفنانين في عرض أعمالهم.. وبعض الأدباء الآن يكتبون روايات مصورة، ورفوف الكتب فى المكتبات وسوق الكتب أصبح الآن لها رفوف خاصة بالراوية المصورة وتزيد شعبيتها كثيرا.