القاهرة 15 سبتمبر 2020 الساعة 11:09 ص
بقلم: طلعت رضوان
حظى الملك (رمسيس الثانى) بشهرة واسعة من بين أسرة الرعامسة، لدرجة أنّ اسمه يكاد يكون (قد) غطى أو (ابتلع) باقى ملوك هذه الأسرة.. ولعلّ ذلك -كما يعتقد كثيرون من علماء (علم المصريات) Egyptology بسبب انتصاراته العديد فى حروبه مع كل أعداء مصر.. وكانت أشهر انتصاراته موقعة (قادش) الذى انتصر فيها على (مملكة خيتا- الحيثيين) وانتهتْ بالرسالة التى أرسلها الملك (مواتاللى) إلى رمسيس الثانى وقال له فيها: ((إنّ السلام أفضل من الحرب)) مع الوضع فى الاعتبار أنّ القوة العسكرية لمملكة خيتا ومصر كانتا على درجة من التوازن، بدليل أنّ المعارك استمرّتْ لعدة سنوات.. وبالرغم من ذلك، فإنّ (ملك خيتا) هو الذى بادر بطلب عقد (معاهدة سلام) وهو ما وافق عليه رمسيس الثانى، لحقن الدماء.
ولكن شهرة رمسيس الثانى، لم تمنع علماء المصريات من كشف عظمة باقى ملوك الرعامسة.. ومن بينهم: رمسيس الحادى عشر.. ورمسيس الثالث الذى كتبه عنه العالم (بييرجراندييه) كتابا غاية فى الأهمية بعنوان (رمسيس الثالث- قاهر شعوب البحر) وصدر عن هيئة الكتاب المصرية- سلسلة الألف كتاب الثانى- عام 2003.. ونظرًا لأهمية هذا الكتاب، فإنّ عالمة المصريات الفرنسية (كريستيان دى روش نوبلكور) تحمّـستْ وكتبتْ التقديم له، فذكرتْ أنّ المؤلف تعرّض لموضوع غاية فى الصعوبة (فى تاريخ الحضارة المصرية) وهو الغزوات التى تعرّضتْ لها مصر من (شعوب البحر) لغزو النيل.. وأنّ من مفاخر الملك رمسيس الثالث معاركه العديدة لصد هجمات الغزاة.. وبصفة خاصة انتصاره فى معركتيْن شهيرتيْن، أولاهما (برية) والثانية (بحرية).
وأبرزتْ الفرق بينه وبين ملوك مصر، حيث إنه لم يكن (فاتحا) مثل ملوك مصر العظام من الأسرة18.. وعلى رأسهم الملك العظيم (تحتمس الثالث) بينما رمسيس الثالث حاز بجدارة وصف (قاهر شعوب البحار) الذى ورد اسمه فى (بردية هاريس- 1) المتضمنة حجم وكمية (موارد مصرفى عهده)
ومن المعلومات المهمة التى ذكرتها (نوبلكو) أنّ مؤلف الكتاب، أمضى ما لا يقل عن ((عشر سنوات فى دراسة مضنية)) ليجمع مادة كتابه.. وأنْ يقوم بكل جدارة بعملية إعادة تنظيم مختلف مؤسسات الدولة، العسكرية والمدنية والدينية.
أما المؤلف فقد ذكر فى (مقدمته) أنّ كثيرين (قد) يجهلون تاريخ الملك رمسيس الثالث، بالرغم من أنه يعتبر الملك الرئيسى للأسرة العشرين.. وآخر الملوك العظام (فى الدولة الحديث) ومن أبرز إنجازاته أنه من خلال معركتيْن- على التوالى- نجح فى ((قهرالجيوش الليبية المُـتكتلة ضده.. واستطاع أنْ يحمى مصر من غزوات القبائل الهند/ أوروبية، المُـسماة (شعوب البحر) وشيــّـد المعبد الجنائزى (معبد هابو) وأمر بإقامة الكثير من المنشآت والأبنية.. وبالرغم من كل إنجازاته.. وبالرغم من التسجيل العلمى الذى قامت به (جامعة شيكاغو) فى الفترة من1930- 1970 وبالرغم من أنّ هذا الجهد العلمى، الذى يعود الفضل فيه إلى جامعة شيكاغو، لم يحظ ((من جانب العلماء بما يستحقه من اهتمام.. وبالتالى فإنّ الضرورة تــُـحتم الرجوع إلى عام1948م لنقرأ ما كتبه عنه عالم المصريات الهولندى (يانسن) حيث كتب دراسة مهمة عن رمسيس الثالث، الذى يـُـعتبر عهده ((نقطة اتصال بين الدولة الحديثة.. والعصر المُـتأخر الذى يــُـثيرالمزيد من الاهتمام، بفترة حكم رمسيس الثانى.
بدأ المؤلف الفصل الأول بتمهيد ذكر فيه الفترة السابقة على بداية حكم رمسيس الثالث، أى فترة حكم رمسيس الثانى.. وبصفة خاصة (اتفاقية السلام) بين الحيثيين ومصر.. ونصـّـتْ على أنْ يتوقف الطرفان نهائيــًـا عن القتال.. وعلى ألا يعتدى أى طرف منهما على أراضى الطرف الآخر.. وأنْ يتم تحديد الحدود فيما بينهما.. والتى كانت تفصل ما بين ممتلكاتهما فى آسيا.. وذكر أنّ رمسيس الثانى لم يهزم قط (حتى فى قادش) وأنه عرف كيف يعمل فى الوقت المناسب ((على إحلال السلام مكان الحرب.. وبذلك عاشت مصر خلال حكمه، أزهى أوقات ازدهارها وتألقها.. وكأنّ الزمن قد رجع بها إلى العصر الذهبى.. وذكر أنّ ابنه الثالث عشر (مرنبتاح) تصدى لمحاولة غزو مصر بواسطة شرذمة من الليبيين، يعاونهم بعض المرتزقة من دول مجاورة.. وبفضل كفاءته ظلــّـتْ ممتلكات مصر بالخارج على هدوئها.
وفى الأسرة العشرين فى عهد حكم الملك (ست- نخت) فإنّ مجموعات من الليبيين لاحظوا عدم وجود قوى نظامية لردعهم عن اختراق حدود مصر فحاولوا التقدم نحوالشرق.. واستطاعوا احتلال الجزء الغربى من الدلتا.. وقاموا بغزو مدن من إقليم (سخا) وهـدّدوا المدن الكبرى بمصرالعليا.. ومصرالوسطى.. ولم يعط هؤلاء الغزاة أى توقير أو احترام لمدينة (أبيدوس المقدسة) فكانت محاولاتهم مثل محاولات الهكسوس.. ولكن ملوك مصر المتعاقبين تصدوا لهم.. وأوقفوا زحفهم على مصر.
كان ما سبق بمثابة التمهيد لحكم رمسيس الثالث، ابن الملك (ست- نخت) من زوجته (تى- مرن- عاست) مع ملاحظة أنّ والده لم يكن من سلالة ملكية.. وما حدث أنه بعد وفاة الملكة (تاوسرت) التى كانت تحكم مصر فإنّ قادة الجيش والعاملين بالقصر تحمّـسوا لتنصيب رمسيس الثالث ليحكم مصر.. وكان دافعهم لذلك أنه سيكون امتدادًا لمسيرة والده، الذى تصدى للغزوات الليبية على مصر.. كما حرص على تكريس ((حباة اجتماعية متطوّرة)).
وعندما كان الأب (ست- نخت) قد وصل إلى سن الشيخوخة.. كان ابنه رمسيس الثالث قد ناهز الأربعين من عمره.. وكان والده قد جعله القائد الأعلى لكافة بقاع مصر.. وحذّره من الغزوات الليبية.
رمسيس الثالث له بعض التماثيل بعضها فى (متحف القاهرة) وبعضها فى (متحف فيلادلفيا) وبعضها فى (متحف بوسطن) ويرى المؤرّخون لحياته أنه كان فى كل معاركه ضد أعداء مصر يتقـدّم جيشه (مثله مثل كل ملوك مصر) وحرص على أنْ يكون الملك الحكيم العادل، الذى يــّـوفــّر السلام الاجتماعى لمصر. ووفق تعبير مؤلف الكتاب عنه ((وجملة القول أنْ يكون ملكــًـا ملتزمــًـا التزامـًـا دقيقــًـا وصارمـًـا، فيما يتعلق بواجبات منصبه.. وهى الواجبات المنصوص عليها فى نص شهير يرجع إلى الأسرة18.. ويعتبر (دستور مصر) خلال عصر الدولة الحديثة.. وعلى رأس مواد هذا النص ((مراعاة تطبيق مبادئ (ماعت) إلهة العدل والحق والفضيلة.. ورمز التوازن الكونى.
تزوّج رمسيس الثالث من الملكة (إيزيس) وأنجب منها ابنه (رمسيس الرابع) كما أنجب كثيرين من أخريات.. وتسموا باسم (رمسيس) من (رمسيس الرابع إلى رمسيس الحادى عشر).
ومن المعلومات النادرة.. وغير الشائعة، أنّ رمسيس الثالث أمر بحفر (قناة) صناعية لتسهيل الوصول إلى المعابد فى جنوب الوادى، عن طريق النيل، خاصة معابد الأقصر.. ومدينة (هابو) وأنه تـمّ تزيين الطريق بالأشجار.. ونباتات الزينة. وكان الملك يجلس مع بناته ويــُـداعبهنّ ويــُـلاعبهنّ.. وهنّ يستنشقنَ عبير الزهور. وأحيانــًـا يلعب معهنّ لعبة الضامة، الشبيهة بلعبة (الشطرنج) وكانت بناته تناديه باسم تصغيرى مثل (دودى فى العصرالحديث).
وعن آلهة مصر، ذكر المؤلف أنها كانت الرمز للمخلوقات الخيــّـرة.. ولم تكن ((جامدة المشاعر أمام حياة البشر.. ولذلك كان المصريون يبتهلون إليها لمساعدتهم فى مسيرة حياتهم.. وأنّ الإله كان يستمع إلى تلك الابتهالات.
وعن نظام العمل فى عهد رمسيس الثالث، ذكر أنّ عدد ساعات العمل كانت 8 ساعات فى اليوم.. والعمال يحصلون على يوميْن إجازة كل أسبوع (كان الأسبوع فى الحضارة المصرية من عشرة أيام.. والشهر ثلاثة أسابيع)
وذكر أنّ الثلث الأول من حكم رمسيس الثالث اتسم بسلسلة من المعارك الحربية، الى فيها الانتصار.. وفى العام الخامس.. والعام الحادى عشر من حكمه، دحر (= هزم) ائتلافيْن متتالييْن من القبائل الليبية، لإبعادهما عن حدود مصر الغربية.. وفى العام الثامن جابه فى فلسطين، فلول المهاجرين من (شعوب البحر) أى الشعوب الهند أوروبية.. وقاد حملة ضد الغزاة الذين أرادوا الاستيلاء على مناجم النحاس فى منطقة واقعة بجوار خليج العقبة، ضد بدو بلاد (سعير إدوم) بجنوب النقب.
وأكــّـد المؤلف- فى أكثر من صفحة- أنّ حروب رمسيس الثالث كانت (دفاعية) ضد القبائل الليبية التى تستهدف غزو مصر.. وكان مثله مثل الملك (مرنبتاح) ردود فعل دفاعية ((ضد شعوب رحل، شاردة، همجية، متخلفة.. وانبعثتْ على حين غرة من العدم.. وكانت تتكوّن من قبائل تعيش حياة التشرد والترحال.. ولم تكن لها حدود معينة.. وتفتقر إلى أية بنية أساسية.. ولم تكن هجماتها المباغتة الشرسة، تخضع لأى منطق أو عقل.. وبالتالى كانت فرصة الانتصار عليها ((ضئيلة للغاية)) ولذلك اضطرّتْ مصر أنْ تحيط مدنها بسياجات حصينة.. ولم تكن هجمات القبائل الليبية تختلف عن هجمات الوحوش الكاسرة.. ولذلك استدعتْ الضرورة سحقهم.. كلما سنحتْ الفرصة، من أجل تلقيهم درسـًـا قاسيــًـا.. ولكن مما يؤسف له فإنّ الدول المتحضرة (مثل مصر) تختلف عن الشعوب الهمجية.. ولذلك يصبح أى عمل عسكرى من جانب الشعب المتحضر لاحتواء الشعوب المتوحشة، غير ذى طائل.
وكان تفسيرالمؤلف لكثرة غزوات القبائل الليبية على مصر هو: التزايد السكانى فى ليبيا وإيجه خلال الألف عام الثانية ق. م، عند اتصال شعوبها بالتطور التقنى الذى حققته مصر.. وبلاد ما بين النهريْن، بينما القبائل الرحل (مثل القبائل الليبية) تفتقد الموارد الطبيعية.. وليس لديها تطور تقنى.. ولذلك كانت تعتمد على غزو جيرانها.. وعلى أساليب القرصنة.. وفى عام1200ق. م سادتْ بحوض البحر الأبيض المتوسط فترة من الجفاف والقحط، فقامت قبائل وعشائر كاملة بهجرة أوطانها، حاملة أسلحتها.. ومندفعة فى كل مكان باحثة عن المأوى والطعام.
وذكر أنّ ثمة بردية توضح أنّ رمسيس الثالث أصدر أوامره بتشييد مقبرة من أجل أحد قواده واسمه (ماى) فى (جبانة منف) مكافأة له على ما قـدّمه هذا القائد من خدمات كبيرة وجليلة، خلال تصديه لغزوات القبائل الليبية.. وذكر أنه خلال حكم رمسيس الثالث فإنّ معظم المجندين بالجيش المصرى كانوا من المصريين.. وذكر أنه من خلال (بردية ويلبور) التى دُوّنتْ فى عهد رمسيس الخامس، عرفنا منها أنّ الفيوم كانت تعتبر منطقة استراتيجية فائقة الأهمية وذات كثافة عسكرية كبيرة. وعرفنا من خلال (بردية هاريس1) فى المنطقة الواقعة ما بين أخميم و (قعو الكبير) كان الكثيرون يقومون باستزراع الحقول الشاسعة.. وكان رمسيس الثالث قد وهبها لتلبية احتياجات الجيش.