القاهرة 15 سبتمبر 2020 الساعة 11:07 ص
حاورها: عاطف محمد عبد المجيد
خولة عبيد شاعرة سورية ولدت في العام 72 في بلاد الياسمين/ سوريا العشق، على حد وصفها لمسقط رأسها. إلى جانب افتتان عبيد بالشعر تعشق الشموع، وتقضي فتراتٍ جالسةً بصحبتها.
تكتب ليلًا باحثة عن الهدوء اللازم لاستحضار الصورة وإعمال الخيال، تنتظر قريبًا صدور أولى مجموعاتها الشعرية، متفانية في الإخلاص لقصيدتها، كاتبة إياها بمداد وجعها، حالمة بغدٍ أفضل، يأتي خاليًا من الأحزان والآلام، التي طالما عاشتها كمواطنة سورية وعربية.
في حواري هذا مع عبيد، نصغي إليها لتحدثنا عن نفسها كشاعرة، وعن علاقتها بقصيدة النثر، ساردة لنا تفاصيل أوجاعها التي نتمنى لها أن تزول قريبًا.
• بداية أرجو أن تقدمي للقارئ سيرة ذاتية شعرية وإنسانية، يعرف من خلالها جيدًا من هي خولة عبيد.
أنا امرأةٌ راقصتْ خيوطَ الشّمس حبّاً،
فأينعت.
أعشق الله في كل شيء
لذا كان لكلّ مكانة.
بدأتُ الكتابة من فترة ليست بالطّويلة لا تتجاوز الثّلاث سنوات، فقد كنتُ بعيدة كل البعد بحكم دراستي لفرع التّجارة قسم إدارة أعمال جامعة دمشق، لكنّه الحرف اختارني، وما كان منّي إلّا الانسياق وراء نبعهِ، وعملتُ دوماً أن يكون فوّاراً حرصاً على استخلاصِ نقائهِ و صفائه.
خولة الشاعرة تشبه إلى حدّ كبير خولة الإنسانة إلّا أن الشاعرة تملُكُ فسحةً من الخيال تعجزُ عنها الانسانة. حالياً لديّ مؤلف قيد الطّباعة والله وليّ التّوفيق.
• تكتبين قصيدة النثر، ولجودة نصوصكِ أتابعها بشكل جيد، أخبريني عن علاقتك بهذه القصيدة، وكيف أغرتْكِ لتدخلي عالمها؟
أعشقُها، أعشقُ حرّيّتها وحرّيّتي بين طيّاتها، أراقصُها وتراقصُني في غيمةٍ بعيدةٍ كل البعد عن قسوةِ الواقع.
• تلقبين نفسك على منصّتكِ الفيسبوكيّة بـ "العود الملكي"، فمن أين جاء هذا اللقب؟
إنّهُ عطري الشّتويّ المفضّل.
• أراكِ، وأرجو ألا أكون قد أخطأت الرؤية، منشغلة في نصوصك بالأنثى وعلاقتها بمُكمّلها/ الرجل..لمَ؟
أراهما الدّنيا بما فيها وإن صحّت العلاقة بينهما من احترامٍ، اهتمامٍ، رحمة و حب صحّ العالم بأسره.
• الكثير من قصائدك يُشعرني أنك تفتقدين لأشياء بعينها، ما رأيك؟ وكيف تحاولين تعويضها في تفاصيل حياتك؟
نعم أفتقدُ أبي رحمهُ ربّي، وأعوّضه بنفسي أوّلا وكيف يجب أن تكون لتليق بأبي ثمّ بكلّ مَن حولي مِن زوج، أولاد، أهل وأصدقاء، وذلك بمزيدٍ من الإيمان والثّقة.
• في نصك "ابتسامة هاربة" تصورين أكبر معاناة يمكن لإنسان أن يبْلغها، وثمة حزن يجثم على كلماتك.. ما الذي يُحزن خولة؟ بل اسمحي لي أن أسألكِ: "أين ابتسامتك"؟
بدايةً الحمد لله حتّى يبلغ الحمد منتهاه.. في نصّي ابتسامة هاربة كان الأب هو الوطن وقد مات الأب وضاع الوطن، أكثر ما يحزنني أنّنا السّوريّون لطالما بكينا على شاشة التّلفاز كلّما سُردت قصّة مؤلمة، وعندما استجار الياسمين لم يجد مجيراً، لكنّهُ الله يمهل ولا يهمل، وكلّي ثقة بفجرٍ قريب.
• في قصيدة لكِ تقولين: "خاوية مني إلا منك/ فأين أنا منك؟".. ثمة شيء ناقص في كل علاقة، ماذا ينقص خولة في هذه الحياة؟ ومتى ستشعر بالارتواء كشاعرة وإنسانة؟
نحنُ بشر، وينقصنا حلمٌ جميل رسمناه منذ نعومة أظافرنا، نعيش به ومعه ولهُ وإن كان ضرباً من جنون.أمّا عن الارتواء كشاعرة يحدث عند التّماهي وتوأم الرّوح، وارتوائي كإنسانة يتحقّق بمزيد من الإيمان وحبّ الله وشكره وحمده على كثير النّعم.
• أنتِ شاعرة سورية، وقد عانى المواطن السوري في السنوات الأخيرة من ويلات الحرب والنفي.. هل لكِ أن تنقلي لنا هذه المعاناة؟
يصعبُ جدّا على أمثالي نقل وجع شعب عامة، صنديد، أصيل وعريق كشعبي، لكنّ فقط أستجير بالله وهو خير مجير.
• هل لي، رغم كل ما يجري على الساحة، أن أسأل خولة عن أحلامها وطموحاتها شعريًّا وإنسانيًّا؟
إنسانيّاً أسأل الله الأمن والسّلام، وشعريًّا أسأله التّوفيق في مولودي الجديد. شاكرةً كل من ساعدني من أعماقي.
• متى تشعرين بحريتك؟
أشعر بها وأنا أراقصُ الخيال لأعزفَ لحناً منفرداً متفرّداً بعون الله.
• هل لكِ أن تختاري نماذج من شعرك ليطلع عليها قارئ هذا الحوار؟
نعم بكلّ حبّ وامتنان أعرض بعضها:
" 1 "
كنتُ أرتقي سلالمَ العشقِ المُسجّى
وإذ بخيانةٍ قمريّةٍ
تعكسُ للعالمِ
ألوانَ الرّوحِ
واستشاطةِ القدر
لوحةٌ لا مقاييسَ تضبُطُها
لا تعترفُ بقانون بشر
لذا وجبَ العقابُ.
طالبوا بحبسِ الأنفاسِ
قالوا
رأيناها
تزفُّ الوردَ، تُراقصُهُ
تفرشُ أرضَهُ، سريرَهُ والصّور
رأيناها
تضيءُ الشّموعَ وتقطُرُها بزيتِ البنفسجِ
لمزيدٍ من الفسقِ و الرّاحة
رأيناها
ترتدي ثوباً حريريًّا يقتسمُ بياضَ جسدِها
فتراهُ ورديّاً خجلاً
تُقبّلُ قدميهِ وكامل الجسد
ترتّلُ الأغاني
هكذا إلى مطلعِ الفجرِ واختفاءِ القمر
وهي عذراءُ، تدّعي
نبلاً ونسباً.
في حضرةِ القاضي
- هل صحيح ما قيلَ في نبضِ عذراءٍ نبيلة؟!
- نعم سيدي صحيح
الجميع يصرخُ
الموتُ لها الموتُ لها
أكملي
سيدي إنّها ليلتي
كاملُ طقوسي
أُأدّيها بخشوعٍ وحب
لقد خرجَ و لم يودّعني
قائلاً: انتظريني، لم يعد
أخذوهُ إلى ملائكتِهم
شقّوا ضلوعَهُ وداعبوا قلبَهُ
بمشرطٍ قاسٍ
لم يسمح لي برؤيتهِ
لطالما كان جسوراً أمامي
إقامةٌ قسريّةٌ كافؤوها بصعقاتٍ متتاليةٍ
أحرقتْ قلبي.
من حينها
وأنا أستحضرهُ، أودّعُهُ كما يليقُ بهِ
فقد حملني ثلاثين عاماً
ألا أحملهُ ما بقيَ لي من عمر؟!
إنّهُ أبّي سيدي.
شهقاتٌ وصمتٌ مطبق
خجِلَ القمر
اضمحلّتْ وجوهُ البشر
أطرقتْ عيونُهم واغرورقتْ.
اكفهرَّ وجهُ القاضي وقال:
لوحةٌ في متحفٍ
لا يفقهُها فقيرٌ تعس
" رحمَ من ربّاكِ "
" رحمَ من ربّاكِ "
وحكم عليهم
باطراقِ رؤوسهِم في كلّ ليلةٍ
احتراماً "لخلوتي و أبي".
" 2 "
في كلِّ يومٍ أقطفُ نجمةً
أهديها لسيادتهِ
ومع اضطّرابِ الكون
وغضبِ العامّة
وسهامِها السّامة
علّهم يتخلّصونَ من شغفي بعطرهِ
كنتُ أعلمهم ورمقي الأخير
أنّ نصفي الآخر سيضيء أرضهم
وليسامحوني على فعلتي
فأنا قيدُ القيدِ
مسيّرة، لستُ مخيّرة
إلى ذاك الكوخِ القابعِ
في غياهبِ الغابة
كانت خطواتي تأخذني إليه
عطرُهُ المنفرد تعشّقَ أخشابَهُ المتراصّة
طاولةٌ خشبيّةٌ، وكرسيّانِ من ورد
شمعةٌ حمراء، وتراتيلُ ربّانيّة
سكينةٌ نورانيّة
قهوتي المفضّلة، وياسمينةٌ نقيّة
عرائشُ الرّحمة
كلُّ هذا كان بالانتظار
جلستُ وحدي
أمضغُ عقاربَ الوقت
أترقّبُ ملامحَ الخرافة
أزيّنُ خصري بزهرِ اللّيلك
وأحقنُ جسدي بعطرِ العود
أرسمُ حلماً بلا واقع، بلا حدود
أطلقهُ للغيمِ لحظةَ الفجر
ليتشظّى هالاتِ فرح
فيتجلّى أمامي و هيبةُ نورٍ
أيقظتْ شهقتي
ليلتقفَني بينَ ضلوعِهِ
ويهدهدُ
"طفلةً في مهد"
" 3 "
في بلدي
كانتْ الاضاءَةُ المُتراقصَةُ
شِعارَ الأعيادِ
والآن لتعلمَهُ أنّها
قيدُ الطّلب.
في بلدي
كانَ الطّفلُ رجلاً
والآن حاوياتُ القُمامةِ
منزلهُ
يتناولُ طعامهُ منها
بشرف.
في بلدي
كانَ الخيرُ مِلأَ النّهرِ
والآن جفّ نهرُ الخيرِ
تعفّنتْ جذورُهُ.
في بلدي
امرأةٌ أقرب للعجوز
تمشي على أربع
تنادي يااااا الله
في بلدي
عروسٌ طُهرٌ تعكّزتْ قلبَها
لملمتْ حبيبَها
عاقرٌ بشهادةِ الوفاة.
في بلدي
طفلةٌ تراقصُ النّايَ
بزفراتِ جائعة
في بلدي
ما زلتُ أنا
ياسميني
فيروزي
قهوتي
كتبي
حاراتي
وشموعي
"شوكةً في نحر".