القاهرة 10 سبتمبر 2020 الساعة 07:48 ص
د. هويدا صالح
القراءة مفتاح المعرفة ووسيلة من وسائل زيادة الوعي، والتنمية الثقافية هي التنمية الأهم التي تسعى إليها المجتمعات المتحضرة، ولا تتم أي تنمية بشكل حقيقي قبل أن تتم التنمية الثقافية لأبناء مجتمع ما، فيجب على المجتمع أن يضعها على قائمة أولوياته، والقراءة أحد تجليات هذه التنمية الثقافية، بل أحد وسائلها الناجعة، وقد اهتم الغرب بالقراءة التي كانت وسيلته الأولى لهذا التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه الغرب الآن حيث يقود العالم المتقدم، ويصنف دوليا بالعالم الأول، ويحرص المواطن الغربي على القراءة،في منتزه عام أو رصيف حديقة أو داخل قطار متحرك أو في مستوصف طبي، بل لا تعجب إن وجدت مكتبة في شاطئ جاءه المواطن الغربي للترفيه والسباحة، تهتم المؤسسة الرسمية بوضع مكتبة لهذا المواطن حتى يغذي عقله وفكره بالقراءة في الوقت الذي يلتقط فيه أنفاسه بعد خروجه من السباحة مثلا. وما يزيد تشجيعهم على القراءة أن الطالب بمجرد تسجيله في المدرسة يمنح كارت المكتبة العامة التي تكون عادة قريبة من مدرسته، لكي يتمكن من استعارة الكثير من الكتب وبشتى التوجهات.
وحين نتحدث عن القراءة في العالم العربي والمكتبات وعلاقة المواطن العربي بالكتاب لا نستطيع أن نغفل التقارير العالمية التي تقوم بها مراكز بحثية متخصصة وتصنف شعوب العالم وعلاقتها بالقراءء ، وينظرة متأملة لهذه التقارير سوف نجد أن المواطن العربي يصنف في المستويات الأدنى ضمن خريطة العالم المتقدم حيث أن المركز العربي للتنمية قدم دراسة عن مستويات قراءة الطفل العربي ووجدها لا تزيد على 6 دقائق في السنة، ومعدل ما يقرأ 6 ورقات، ومتوسط قراءة الشاب من نصف صفحة إلى نصف كتاب في السنة، ومتوسط القراءة لكل مواطن عربي لا يساوي أكثر من 10 دقائق في السنة مقابل 12 ألف دقيقة للمواطن الأوروبي.
وأوردت الدراسات أن عدد الكتب المؤلفة سنويًا والمتوافرة للطفل العربي لا تزيد على 400 كتاب، مقارنة بالكتب المؤلفة والمتوافرة للطفل الأمريكي مثلا، والتي فاقت 13260 كتابًا في السنة، والطفل البريطاني 3837 كتابًا، والطفل الفرنسي 2118 كتابًا، والطفل الروسي 1458 كتابًا في السنة الواحدة. وأفادت الدراسات أن كل 20 مواطنًا عربيًا يقرؤون كتابًا واحدًا فقط في السنة، بينما يقرأ كل مواطن بريطاني 7 كتب أي 140 ضعف ما يقرأه المواطن العربي، أما المواطن الأمريكي فيقرأ 11 كتابًا في السنة أي 220 ضعف ما يقرأه المواطن العربي. وانتهت الدراسات إلى أن إجمالي ما يتم تأليفه من الكتب سنويًا في الدول العربية لا يساوي أكثر من 1.1% من الإنتاج العالمي السنوي من الكتب، بينما يزيد عدد سكان الوطن العربي مقابل سكان العالم بنسبة 5.5.
ورغم هذه النسب الصادمة إلا أننا نؤكد على أن القراءة ما تزال هي طريقنا هي طريقنا للرقي؛ وما من أمة تقرأ إلا ملكت زمام القيادة وكانت في موضع الريادة، فالقراءة وسيلة الإنسان للتعلم والتعليم وهي وسيلته لاكتساب المعرفة بصفة عامة، كما هي بعض وسائل استمتاعه وترفيهه.والقراءة وسيلة للتنمية الثقافية كما أسلفنا،فغير القادرين على تنمية ثقافتهم لن يكونوا قادرين على تنمية مجتمعاتهم،فبقدر ما نبني ثقافة صحيحة بقدر ما نبني إنسانا صحيحا ومجتمعا صحيحا أيضا. وعلى الإدارات السياسية في بلادنا أن تتبنى شعار "أن تأتي المكتبة إلى القارئ إن لم يكن قادراً على الذهاب إليها ".عبر الانتقال بالمكتبة إلى مواقع تجمع وسكن الشرائح المجتمعية الأكثر حاجة إلى القراءة وطلاب المدارس والمعاهد والجامعات. وفكرة المكتبات المتنقلة ليست حديثة، فقد عرفتها الأمم منذ عقود مضت، فتعود بداياتها في الغرب إلى أكثر من مئة و خمسين عاما عندما قامت مؤسسة ورينجتون في بريطانيا بأول تجربة لها عندما وضعت كتبا بعربة يجرها حصان. وكذلك في أمريكا التي عرفت أول استخدام لها في ولاية ماريلاند منذ عام 1905. ومن ثم انتشرت في باقي أوربا، ومن ثم استطاعت المكتبات أن تصل إلى المواطن البسيط في القرى والريف النائي البعيد حتى أصبحت أهم سلاح ضد الأمية والجهل . وقد عرفت الدول العربية المكتبة المتنقلة التي توفر الخدمة حتى أقصى نقطة في أي بلد يرغب في التقدم. والمكتبات المتنقلة تعمل على رفع المستوى الثقافي وزيادة وعي المواطنين، واستثمار أوقات الفراغ بما هو مفيد وممتع، و يمكن لأمين المكتبة المتنقلة توجيه وإرشاد المستفيدين للكتب القيمة والإصدارات الجديدة والإجابة على أسئلتهم واستفساراتهم، وهي تمتاز بأنها أكثر فاعلية من بقية فروع المكتبات العامة، فخدمة المراجع وإرشاد المستفيدين تتم غالباً في وقت قصير من خلال الألفة والتعاون بين أمين المكتبة وجمهور المستفيدين في هذه المناطق.
وتعود بدايات هذه الخدمة إلى النصف الثاني من الخمسينيات وإلى أوائل الستينيات في بعض الدول العربية.فكانت بدايات ظهور هذه الخدمة في الضفة الغربية في مدينة الخليل عام 1956م، وفي مصر عام 1984، وقد كان هناك مكتبتان تجوبان شوارع القاهرة واحدة للاستعارة والأخرى منفذاً لبيع الكتب في مواقع من التبين وحتى قليوب، ثم تحولت مكتبة منفذ بيع الكتب إلى مكتبة إستعارية وكانت تجول في الوراق حتى مدينة السلام .وقد تم إضافة خدمة جديدة وهي خدمة الاستعارة الداخلية وقد تحدد لكل مكتبة 10 مواقع تم انتقاؤها تبعاً للكثافة السكانية ووجود المدارس والجامعات والهيئات والمصالح الحكومية، كما روعي تغطية باقي المناطق التي لا توجد بها مكتبات .