القاهرة 08 سبتمبر 2020 الساعة 12:25 م
كتب: محمد علي
بين مؤيد ومعارض لهذا المسلسل حتى قبل عرضه على منصة شاهد الترفيهية في يونيو 2020، حيث استهل كل فريق فكرته عن المسلسل من أغنية التتر التي تعبر بشكل مباشر عن قصة حياة فتاة تقف لحد ما في وجه المجتمع وترغب في الانفصال عن السلطة الأبوية تلك، وعلى هذا كان الاختلاف حول أن المسلسل يدعو لممارسة الحرية غير الأخلاقية، وآخرون تبنوا الدفاع عن المسلسل بكونه عملا فنيا في المقام الأول ولأنه تطرق لمناقشة القضية النسوية وإشكالية الحريات المتعلقة بها بشكل خاص.
كل هذا قد آثار ضجة كبيرة قبل عرض المسلسل الذي غُرض بعد انقضاء الموسم الرمضاني بفترة قليلة وحقق المسلسل نسب مشاهدة عالية في مصر والوطن العربي، فكان موضوعًا للحديث عند مستخدمي البلاتفورم المختلفة على شبكة الإنترنت. وبعد العرض ظل الانقسام في الآراء حول العمل فيما بين من يتناقش حول ماهية كونه عملا فنيا جيدا، ومن يشيد بالمسلسل على أنه مسلسل اجتماعي يصلح لأوقات التسللية، وخرجت القضية النسائية من النقاش ولم يعد لها وجود.
يتشكل قوام العمل الرئيسي من: أمينة خليل، محمد الشرنوبي بطولة مشتركة. شرين رضا، هالة صدقي، هاني عادل، محسن محيي الدين. سيناريو وحوار اشترك فيه دينا نجم ومجدي أمين، وتتابع شخصيات لـ سارة لطفي وشادي عبد الله وهذا تحت إشراف صاحبة الفكرة الكاتبة السيناريست مريم ناعوم. واشترك سمير بهزان وأحمد جبر في إدارة موقع التصوير، وخالد كمار الذي قام بتلحين الموسيقي التصورية للعمل؛ وكل هذا تحت إدارة من المخرجة مريم أبو عوف ومعها المخرجة نادين خان في الوحدة الثانية.
وجود نسائي له حضوره في العملية الإنتاجية للمسلسل من حيث الكتابة والإخراج، كان شيئا مبشرا بأن يكون هناك عمل فني يهتم بالقضية وقوامه الأساسي يقوم على النساء، لكن على الرغم من ذلك لم يظهر المسلسل إلا بصورة نمطية لا تعبر عن تلك القضية التي يبشر بها الفيديو كليب الدعائي -التتر- وإنما عبرت عن حياة شخصية عليا "أمينة خليل" التي قررت ألا تستكمل الحياة مع زوج اختارته العائلة وليس هي وعليه نعيش معها في رحلتها تلك.
قصة العمل
عليا هي الشخصية المحورية في العمل الفني والتي من المفترض أن يكون لها النصيب الوفير في عملية الكتابة حتى يتسنى للمُشاهد العادي أن يتفاعل معها موفرًا رصيدا للتعاطف معها في بعض الأحيان؛ فهو يعيش التجربة من خلالها، إلا أن الأخطاء البسيطة ولكنها لكثرتها باتت أقرب لتكون مغالطات وتناقضات في الشكل النهائي جعل الشخصية تظهر وكأنها ثانوية. فمن الحلقة الأولى تظهر تلك المشاكل المتعلقة بالكتابة فبمجرد ظهور العروس الهارب أثناء كتب الكتاب وكأنها تكتشف مرة واحدة أنها غير مستعدة للزواج، حتى إنها لا تمتلك مبررات الرفض هذا، فعندما طلب منها العريس المغضوب عليه أن تقدم له تفسيرا عما حدث لم تستطع أن ترد بأي رد سواء كان منطقيًا أو لا، وكأن ما حدث كان عليه أن يحدث حتى يتم دفع القصة للأمام فقط!
وبدون أي مقدمات وليس إلا الزج بقضية التحرر والاستقلال، تقرر عليا أن تشارك في مسابقة مقدمة للنساء في الوطن العربي من ضمن شروط الالتحاق بها لنيل المنحة المادية والدراسية على أن يكون على الذين يتقدمون للمنحة أن تكون مستقلة وتعيش بمفردها بعيدا عن منزل العائلة. وبعد العديد من المشكلات السريعة والتي كان واضح أنهم يودون أن يظهر على المَشاهد الغضب المتبادل الذي يعبر عن اختلاف وجهات النظر، تنتقل عليا من بيت الأسرة لتعيش بمفردها بمساعدة الأصدقاء في أحدي البنيات السكنية في منطقة وسط البلد.
في الأيام الأولى لحياة عليا بعد استقلالها من المفترض أن يكون هناك بعض من المشكلات التي تتعرض لها، وبدون أن نتحدث عن ماهية تلك المشكلات وكيف لها أن تكون عقبة في طريق استقلالها إلا أن المشاكل التي تظهر لا تعبر بالضرورة عن أي عقبة حقيقية تتعرض لها، فمثلًا تفشل في تحضير وجبة طعام لها بعد محاولات عدة لطبخ طبق من المكرونة لتقرر بعد ذلك أن تذهب إلى أي من المطاعم المحيطة بالسكن، وهناك تقابل (حسين– محمد الشرنوبي) الذي سوف يجمعهم تجربة وقصة حب فيما بعد، وكأن فشلها في محاولة الطبخ كان المقصود منه هو الذهاب إلى المطعم حتى يتسنى لها أن تلتقي بالشاب الأعزب، وهو سبب سوف يدفع القصة إلى الأمام فقط، دون التطرق لحلول أخرى تلقي الضوء على محاولات أخرى لها وهي تمارس عملية الطبخ فيما بعد. فحياتها لا تتأزم على الإطلاق، فلا وجود أصلًا لمشكلة قد ينتج عنها قضية يتم مناقشتها؛ على العكس تمامًا فكلما ظهر في الأفق نواة لمشكلة ما تظهر الحلول السريعة وغير المنطقية ربما لحد أن تكون سحرية لتخرج عليا من محنتها التي لا تلبث أن تدخل فيها، ومثال على ذلك: اكتشافها لموهبتها في التصوير الفوتوغرافي والذي جعل منها نجمة مشهورة وسط ذلك المجال الذي تهافت فيه رواد الشركات والماركات العالمية للعمل معها لتصوير وتسويق المنتج الخاص بهم، وهكذا تم حل مشكلة الوظيفة دون أن نشعر بأي أزمة قد تتعرض لها حياة البطلة.
في المجمل قد أغفل صناع العمل ماهية العمل من الأساس، الذي يحاكي قصة فتاة قررت الخروج من السلطة المنزلية وتجربة حياة الاستقلال، فهذا التحول لم يتم التعبير عنه بشكل ملائم ولا مضمون له إشكالية التحرر أو ما شابه.
• نظرة الاستغرابين للمجتمع Self Exoticism
عاشت عليا حياتها ضمن أسرة تعيش في مستوي مادي واجتماعي عالي لحد كبير، فهي من سكان الزمالك الأصليين -كما يتضح من العمل- يمتلكون شركتهم الخاصة وعلى نفس الشاكلة الأصدقاء الذين ينتمون لنفس المكان وأماكن محيطة به يتمتعون بحس ثقافي وفني لحد كبير، حتي إنهم هم من ساعدوا عليا في إيجاد الشقة الخاصة بها في منطقة وسط البلد، كل هذا الشرح الهدف منه هو أن الخلفية الثقافية للبطل تكاد تكون مُلمة بمعظم الأبعاد الجغرافية لمنطقة الزمالك وما يحيطها من مناطق لا تختلف كثيرًا عنها، لكن تلك النظرة التي كانت تلقيها عليا على أي من الأشياء التي تلتقيها وهي تسير في شوارع المدينة سواء ليلًا أو نهارًا لا يعبر إلا عن نظرة استغراب لا تخرج إلا من مواطنين الدول الأوروبية أثناء زيارتهم لأي من بلدان الشرق الأوسط. فنظرتها لعربات المأكولات السريعة على الطرق والبيوت والشوارع القديمة في المنطقة الأقدم بالقاهرة لا يعبر عن سعادتها بتلك المناظر على قدر ما يعبر عن عدم الإلمام وعدم وجود أيضًا أي خلفية ثقافية عن القاهرة التي هي بنفسها رغبت بأن تعيش حياة الاستقلال في أهم وأقدم ضواحيها وسط البلد؛ لذا فكان من الصعب أن يتقبل المُشاهد العادي تلك النظرة الاستغرابية للمدينة وبالأخص لأن البطلة لم تكن تعيش على بعد منها، فكل تلك المناظر والأشياء التي ثارت فضول عليا لها وجود أيضًا في منطقة الزمالك.
وظهر هذا التناقض أكثر عندما قررت أن تدمج كل مظاهر الفقر البساطة تلك في موادها المصورة من خلال تصوير المنتجات تلك غالية الثمن مع ديكور ينافي هذا المنتج ومستهلكة من الأساس.
وكل هذا يرجعنا للنقطة الأهم، وهي عدم وجود أي عقبة قد تُعيق تحقيق أهداف عليا، فلا تطور يحدث للشخصية؛ فقط تتابع مشهدي لحياتها تظهر فيها وهي تمارس حياتها بشكل عادي وكأن هذا الاستقلال سهل الحدوث ولا يؤثر على الفرد الإنسان بأي حال من الأحوال.
على العكس من الخط الدرامي لشخصية (هالة – شرين رضا) والتي على الرغم من كونها ثانوية في العمل، إلا أن حياتها التي عاشتها فيما بين بيت الأم والأخت بكونها عزباء وهي في سن الخامسة والأربعين، خلقت صراعا وحبكة درامية في المسلسل عندما قررت أن تواجه العائلة بحبها من شاب يصغرها بعده أعوام تريد الزواج منه، هنا الشخصية تمتعت بقدر جيد من الكتابة الدقيقة التي أسهمت في وضع رصيد من التعاطف الصادق للمتفرج.
باختصار
إذن.. هل المسلسل يعتبر فاشلا! إن الفشل في المواد الإبداعية ليس له وجود إطلاقًا فدائمًا يكفي لصناع العمل الفني أنهم حاولوا قدر استطاعتهم في تقديم منتج فني يساعد في دفع العملية الإنتاجية إلى الأمام؛ مما قد يدفع الغير لإنتاج أعمال أخرى تسهم في أن يكون هناك دائمًا منتج مصري في السوق الفني العربي، بالأخص لو كان ذلك المنتج سوف يُعرض على منصة واسعة الانتشار كمنصة شاهد الترفيهية.
ربما كان "ليه لأ" على غير التوقعات التي ظهرت من الفيديو كليب الدعائي له، إلا أن ذلك لم يفرغه من أنه مسلسل اجتماعي يصنف على أنه رومانسي-كوميدي في المقامالأول؛ وهذا لا عيب فيه ولا ضعف ولكنه غير معني بقضايا المرأة بأي شكل من الأشكال.
وفي النهاية كان الهدف من مشاهدة المسلسل والتدوين عنه تزامنًا وتضامنًا مع الحملة الإلكترونية التي ظهرت مؤخرا والتي تستهدف فضح ونشر الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها الفتيات في مجتمعنا، وكنا نرغب في وجود عمل فني ينصف هذه المرأة في قضيتها؛ لأننا في المجال الصحفي هدفنا الأول هو الوقوف بجانب القضايا الإنسانية عامة، وبما أننا نهتم بمناقشة قضايا الثقافة والفن أردنا أن نلقي الضوء على ذلك من خلال مسلسل "ليه لأ" لأننا دائمًا وأبدًا نُصدق الناجيات.