القاهرة 08 سبتمبر 2020 الساعة 11:54 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
على المثقف العربي مواجهة التحديات التي يتعرض لها لمواجهة الخضم الثقافي ومعطيات العولمة الضاغطة على الشعوب الصغيرة والفقيرة، ولا نغفل مواجهة تحديات المثقف في إعداد نفسه بالتعرف على خريطة الفكر العربي الراهن وتوجهاته الرئيسية، التخلص من العزلة الذهنية زمانياً ومكانياً، وهي العزلة التي تنعكس سياسياً، مع استيعاب الجوانب الثقافية والاجتماعية للمتغير المعلوماتي، وكذا يجدد المثقف العربي عُدته المعرفية،من نظرية الأدب إلى نظرية المعلومات ومن فلسفة العلم إلى الذكاء الاصطناعي وعوالم الإنترنت.
هذا ما يقوله السيد نجم في مفتتح كتابه "النشر الإلكتروني..تقنية جديدة نحو آفاق جديدة" والذي صدر منذ سنوات عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
مطلب ثقافي
نجم يرى أن التوقف أمام النشر الإلكترونيأصبح مطلباً ثقافياً مهماً، نظراً لأهمية دوره الثقافي وفي التنمية الاجتماعية، وكذلك يُعد النشر الإلكتروني محور الثقافة الرقمية الجديدة وإن قال ماكس فيبر إن الثقافة تعد عاملاً مساعداً في تنمية المجتمع، ويرى كارل ماركس أنها نتاج طور الإنتاج، فيما يرى إميل دوركايم أنها إحدى مؤسسات المجتمع "والنشر الإلكتروني في المجتمع الرقمي خصوصاً".
في تعريفه للنشر الإلكتروني يقول المؤلف إنه يعني استخدام كافة إمكانات الكمبيوتر في تحويل المحتوى المنشور بطريقة تقليدية إلى محتوى منشور بطريقة إلكترونية حيث يتم نشره على أقراص ليزر أو من خلال شبكة الإنترنت.وهناك عدة تعريفات أخرى منها مثلاً تعريف غالب شنيكات القانوني الذي يرى أن النشر الإلكتروني هو إتاحة نقل المعلومات أو المصنفات على شبكة الإنترنت.وعن أهداف النشر الإلكتروني يقول المؤلف:لقد بدأ النشر الإلكتروني لتحقيق أهداف عسكرية حتى بدأت أهدافه تتعدد وتتجاوزها إلى آفاق أخرى.
ومن أهدافه توفير التكاليف والوقت والجهد البحثي والمساحة وإتاحة التخزين وسهولة التعديل والتنقيح وتوفير إمكانية النشر الذاتي.
مشاع مباح
ومن مميزاته إمكانية وإنتاج وتوزيع المواد الإلكترونية بشكل سريع لكل أرجاء الأرض وإمكانية إجراء التعديلات بشكل فوري ولا حاجة للوسطاء والتوزيع التقليدي.
بعد ذلك يقول المؤلف إن قدر الكتاب والمبدعين أن يترصّدهم البعض فتتحول الأفكار والأعمال إلى مشاع مباح ومتاح لغيرهم دون الإشارة إلى المصدر/ المرجع أو الموافقة المسبقة من المصدر وهذا بالطبع يرجع إلى شبكة الإنترنت التي ساعدت على ظهور مثل تلك الأعمال بكثرة وبشكل واضح.وعن مفهوم الكتابة بعد ظهور الإنترنت يقول المؤلف: أصبح مفهوم الكتابة في أي نص يتم من خلال تحليل بناء النص ذاته وهي مسئولية مشتركة بين الكاتب والقارئ معاً، أي وجد المتلقي الإيجابي، بينما الورقي يعد متلقياً سلبياً، ومع ذلك ما زال السؤال يتجدد حول مستقبل الكتابة والكتاب. أما ما بات ينافس الكتاب الآن فهي الديسكات أو الأسطوانات الحافظة التي تستوعب الواحدة منها عشرات الكتب.
إدمان الإنترنت
ونأتي إلى الجزء الأهم في هذا الكتاب ألا وهو ما يتعلق بمسألة إدمان الإنترنت الذي يقول عنه المؤلف إنه عبارة عن حالة نظرية من الاستخدام المرضي للإنترنت الذي يؤدي إلى اضطرابات في السلوك وهو ظاهرة قد تكون منتشرة في جميع بلدان العالم بسبب توفر أجهزة الحاسوب.هذا وأول من وضع مصطلح إدمان الإنترنت هي عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونج في العام 1994. ويضيف المؤلف أن إدمان الإنترنت أدى إلى أن يتجاهل الشخص الأنشطة والمناسبات ومسئوليات العمل والدراسة والرياضة أو شكوى المقربين منه من قضائه الوقت الطويل أمام الإنترنت.. وقد أصبح من المستحيل تقليل وقت متابعة الإنترنت ويصل معها إلى مرحلة ترك الواجبات والأعمال المهمة وتفضيل الحديث مع الناس على الإنترنت بدلاً من المواجهة وجهاً لوجه.وطبقاً لتعريف يونج يكون الإدمان هو استخدام الإنترنت لأكثر من 38 ساعة أسبوعيا.فيما يرى د.أحمد فخري أن إدمان الإنترنت إدمان سلوكي.
ومن علامات إدمان الإنترنت أنه بمجرد استيقاظ الشخص من النوم يتجه لتصفح صندوق بريده الإلكتروني ظناً منه أنه ستصله رسالة مهمة مما يؤثر في مهامه الاجتماعية.
ويمكن إجمال أعراض إدمان الإنترنت في زيادة عدد الساعات أمام الإنترنت والتوتر والقلق الشديدين في حالة وجود أي انقطاع لشبكة الإنترنت والتحدث عن الإنترنت في الحياة اليومية بإلحاح ممل على الآخرين وإهمال الواجبات الاجتماعية والأسرية وربما العمل الوظيفي.
أضرار الإنترنت
ويذكر المؤلف أن هناك بعض الدراسات التي أفادت أن أكثر الناس قابلية للإدمان هم أصحاب حالات الاكتئاب والشخصيات القلقة وكذلك الذين يتماثلون للشفاء من حالات إدمان سابقة أو يعانون الوحدة أو التخوف من تكوين علاقات اجتماعية وأيضاً الذين لديهم الإحساس الزائد بالنفس. أما عن الآثار الضارة لإدمان الإنترنت فيذكر منها المؤلف الأضرار التي تصيب الأيدي من الاستخدام المفرط للفأرة والأضرار التي تصيب العين نتيجة للإشعاع الذي تبثه شاشة الكمبيوتر وكذلك الأضرار التي تصيب العمود الفقري والرجْلين.وهناك إضافة إلى هذا آثار نفسية تصيب مدمن الإنترنت مثل القلق والاكتئاب والشعور بالوحدة والانطواء.بينما تتمثل مشكلات المدمن في اضطراب نومه وجهاز مناعته؛ مما يجعله أكثر قابلية للإصابة بالأمراض. وترى الدكتورة يونج أن هناك عدة طرق لعلاج إدمان الإنترنت منها ما يتمثل في إدارة الوقت أي العمل على تقليل الزمن الذي يستغرقه الشخص في استخدام الإنترنت..كما يجب تحديد وقت الاستخدام.. إضافة إلى المعالجة الأسرية إذ تحتاج بعض الأسر بأكملها إلى تلقي علاج أسري بسبب المشكلات الأسرية التي يُحْدثها إدمان الإنترنت.
العقل الرقمي
وهنا يبرز سؤال مهم: أمن الصعوبة أن يتحكم الشخص في الوقت الذي يقضيه أو فلنقل يستنزفه أمام الإنترنت حتى لا يتسبب جلوسه إليه في خسارة كبيرة له بدلاً من أن يكون مكسباً له في مجالات شتى؟
ويختتم السيد نجم كتابه هذا قائلا:يعد النشر الإلكتروني الآن من أهم منجزات إنسان العصر الرقمي الجديد بكل معطياته الإيجابية والسلبية وإن غلبت الإيجابيات وراجت وينتظر من ورائها الكثير.ويشير إلى أن هناك ما يعرف بالعقل الرقمي وهو عبارة عن برنامج تفاعلي بين العقل والحاسوب.ويؤكد على أنه لابد من أن نحرص على ألا يتجاوزنا عصر التقنية الرقمية الجديد وكل الشواهد تؤكد توافر العقلية والرغبة لدينا جميعاً وربما لا ينقصنا كعرب سوى الإدارة الممنهجة والعمل الجاد.