القاهرة 01 سبتمبر 2020 الساعة 09:35 ص
بقلم: شيماء عبد الناصر
الكثير من الناس يشارك فيديوهات على اليوتيوب من خلفيات اجتماعية مختلفة. منهم الصعايدة أو الفلاحين أو من مناطق شعبية. طبعا لكل شخص منهم يعرض في الفيديو مهاراته أو ثقافته أو طريقته في الحياة.
أحيانا يكون رد الفعل من الناس أن يستنكروا ويرفضوا شهرة هذه الفيديوهات أو أن المتابعين لها كثيرون ويشوفوا أنها فيديوهات "بيئة" ولا ترقى من وجهة نظرهم أنها تستحق النشر على اليوتيوب أو تصبح موجودة وتأخذ تقييمًا عاليًا ولايكات ومشاركات.
وفي نفس الوقت الجميع يطالب بالحرية. عن أي حرية تتحدثون؟!
من أساسيات الحرية أن تحترم كل الآراء وتعطي مساحة لكل الناس لعرض أفكارهم وكل ما يحبوا أن يعرضوه. وفي نفس الوقت تحترم كل الآراء المنشورة. وتحترم أيضًا الخلفيات الاجتماعية لكل شخص يعرض فكرته.
لماذا تريدون الناس كلها نسخ من بعض يقولون نفس الكلام، مثلا واحدة تعيش في بيئة معينة وكل حياتها تدور حول الطبخ والعزومات والبيت والعيلة وحماتها، ما المشكلة أن تتكلم عن الحاجات التي تعيشها؟ حتى لو تفعل ذلك لمجرد الشو، ونجحت. دعوها تنجح في حاجة تخصها وتسعدها وتجني فلوس من خلالها، لو المحتوى لا يعجبكم تقدروا بكل بساطة تطردوه من مساحة رؤيتكم، لكن يتم التهكم على الشخص وعلى الخلفية الثقافية والاجتماعية التي جاء منها، هذا تنمر، حتى لو كان هذا الشخص ساذجا، ما دام لا يدعو إلى العنف أو يحرض على القتل أو الإضرار بالغير بأي طريقة كانت. إذن فلا يحق لأحد إنه يتنمر عليهم أو ينعتهم بالفلاحين.
لماذا تريدون من شخص يعيش في الريف أو في منطقة شعبية أن يتكلم أو يتعامل مثل شخص يسكن في الزمالك، ولماذا الأفضلية لمن يعيش في الزمالك، لما لا يكون هناك مساواة بين كل الناس، نحن نطالب بالحرية وبالاحترام وفي الواقع فكرنا أبعد ما يكون عن الحرية والاحترام.
المجتمع ليس كله طبقة "الإليت" والأغنياء أو المتخرجين من الجامعة الأمريكية، أو من كان تعليمهم في مدارس انترناشونال.
هنا أناس ليسوا متعلمين –وبالطبع ليس ذنبهم- لكن ذنب المنظومة التعليمية الفاشلة، ومن حقهم أن يتكلموا وينشروا فيديوهات عن آراء لها في الحياة أو المشاكل أو حتى إنهم مجرد يفضفضوا ويتكلموا بلغتهم التي ليس بالضرورة تكون اللغة العامية المصرية المعروفة، لأنهم ببساطة ينتموا لبيئتهم، ويحترمونها ومتصالحين على نفسهم لا يحبون ادعاء شيء لا يحسون به. هؤلاء الفطريون موجودن في كل العالم، الفرق هنا في مصر نحن نريد صنع مثال واحد للشخصية المصرية وأن يكون الجميع نسخا مكررة من هذا المثال.
الصعيدي يتكلم صعيدي وفديوهاته تعرض أحواله وعيشته والحياة التي يعايشها بتفاصيلها ومفرداتها العادية جدًا بالنسبة له، لماذا نقول له لا تتكلم أو لا تنشر فيديو، لما النظرة الدونية للناس.
جمال أي مجتمع يكون من خلال التنوع به، واحترام كل الثقافات وكل الأفكار، ربما كان الصعيدي الذي تهزأ به للغته أو طريقته في الكلام في فيديو أو ارتداء الجلابية أو العمة يكون وسط أهله شخصا محبوبا وجميلا ومحترمة.
هل الحرية حكر على طبقة معينة أو فئة أو مدينة؟!
المفروض الحرية للجميع، أنت لا تنتمي للفئة أو الشخص الذي ينشر فيديو عن نفسه ويمثل ثقافته، لا تشاهد الفيديو ببساطة، ولا تتابع هذا الشخص. لكن الخروج على صفحات السوشيال ميديا والاستهزاء بالشخص أو خلفيته الثقافية أو مدينته أو هويتة الاجتماعية لا يمت للاحترام أو الحرية بصلة. هو تنمر.
هذا الشخص المتنمر لا يؤذي الآخرين ويتنمر فقط، لكنه يضيع فرصة لنفسه أن يسمع الطرف الآخر. ربما قال كلمة جميلة، أو معلومة جديدة، أو حتى يتعرف على ثقافة مختلفة عنه، ربما مرة سافر إلى هذا المكان يكون مدركًا كيف يفكر أهله، أو يتعرف على عادات هذه المنطقة وهؤلاء الفئة من الناس.
لماذا تكون الحرية والكلام ونشر الفيديوهات حكرا على ناس معينة والمطلوب أن الباقي يسكت ويصفق لهم وهو ساكت.
لماذا لا يكون من حق كل إنسان أن يعرض وجهة نظره في فيديو أو بوست على الفيس. لماذا نسخر من شخص نشر فيديو أو نشر بوست لمجرد أنه فلاح أو صعيدي أو من الدلتا.
أليس من حق الصعيدي أن يتكلم أو ينشر فيديو عن حياته وبيئته التي يعايشها.
لماذا مطلوب أن الناس في المجتمع أن يكونوا نسخة واحدة حتى لو مشوهة.
في كل المجتمعات نرى -والغريب- نحترم اختلافات هذه الشعوب ففي أوربا الكثير من اللهجات والكثير من التنوع وأمريكا قارة كاملة مليئة بالتنوع من السود والبيض واللاتين والصينيين والإيطاليين، الكل والجميع يحترمون بعضهم، كل له ثقافته، وله الحق في نشر ما يريد نشره عن عاداته وتقاليده طالما لا يضر بالمجتمع أو ينشر فكرة تعادي الإنسانية أو تبث العنف، لماذا لا نحترم الصعيدي ونحترم بيئته وطريقته في الحياة، ونطالب بوجوده أيضًا على فضاء السوشيال ميديا واليوتيوب، نتدارس معًا هذه العادات والتقاليد والتي منها الجيد جدًا وبعضها مستنكر، وحتى هذا المستنكر لا يكون ضارا في جميع الأحوال، لماذا لا نعطي لربات المنازل فرصتهن لنشر فيديوهات الطبيخ، أو الفضفضة أو الدردشة.
هم يملئون الفيس بوك بملصقات ضرورة الاستماع للآخر لمواجهة الانتحار، وحينما تخرج امرأة فقيرة أو من طبقة اجتماعية متواضعة للفضفضة نسخر فقط منها، لو كانت هذه المرأة من الإليت أو الكلاس لم يكن ليسخر منها أحد، هل للكلاس مشاعر ولباقي الطبقات لا.
وهناك مئات القنوات الخاصة بالطبخ أو ما يخص الشئون المنزلية، لماذا نحترم مذيعاتها ولا نحترم النساء اللطيفات البسيطات على اليوتيوب أو الفيس بوك.
للمرة الأخيرة أقول: لو لم تكونوا تريدون سماع هذه الفيديوهات، لا تسمعوها ولكن توقفوا عن التنمر على أصحابها. احترام الأفراد لبعضهم من أساسيات التحضر في المجتمعات المدنية الحديثة، وأبسط حقوق كل فرد في المجتمع أن يقوم بنشر فيديو له أو لها، تطبخ أو تغني أو تدردش حتى. طالما أنهم لا يتعدون على الآداب العامة أو ينشر العنف فهم أحرار تمامًا، ولا يحق لأحد التنمر أو الهجوم عليهم مهما كانت ثقافتهم بسيطة أو خلفيتهم الاجتماعية متواضعة.