القاهرة 18 اغسطس 2020 الساعة 09:02 ص
بقلم: أشرف قاسم
في البدء كانت الكلمة، فهي الأساس المتين لبناء المجتمعات المتحضرة، بكلمة تتحد الأمم، وبكلمة تنهار الأمم، كلمة تدخلنا الجنة، وكلمة تدخلنا النار، كلمة تجمع وكلمة تفرق، رحم الله عمنا الشاعر الكبير صلاح جاهين الذي وصف الكلمة فقال:
اتكلموا.. اتكلموا.. اتكلموا
محلا الكلام، ما ألزمه وما أعظمه
في البدء كانت كلمة الرب الإله،
خلقت حياه،
والخلق منها اتعلموا..
فاتكلموا
في البدء كانت كلمة الرب الإله
روح بجناحين شطار، وصار للكون مداه
آخر مطافها، جت وحطت ع الشفاه،
لما البشر ملكوا الوجود، واستحكموا
فاتكلموا
الكلمة إيد، الكلمة رجل، الكلمة باب
الكلمة نجمة كهربية في الضباب
الكلمة كوبري صلب فوق بحر العباب
الجن يا أحباب، ما يقدر يهدمه
فاتكلموا
الرمل مرمي تحت قبة السما
مشتاق لقطره من المطر فيها النما
ملايين سنين عمره ما داقها، إنما
فيه كلمة تقدر في المراوي تِعَوِّمُه
فاتكلموا
فيه كلمه تقدر تزرع البور حور ضليل،
وكلمه تقدر تجعل الكوخ بيت جميل
وابو العيال والجلابية الهلاهيل
فيه كلمه تعطيه مال، وكلمه تِهنْدِمُه
فاتكلموا
لكم السلام، يا ملفوفين حول اللهب
يا غواصين في القلب ع الكلمه العجب
في البدء كانت كلمة الرحمن سبب
وما عادش غير الحق كلمه تِتَمِّمه
فاتكلموا
ويقول الشاعر ابراهيم البستاوي :
الكلمة لو قلتها كن قدها وقدود
الكلمة صدق وشرف وأمانة ما لها حدود
الكلمة ليل ونهار وطريق ماهش مسدود
الكلمة ميه ونار الكلمة بخل وجود
الكلمة نعمة وخير وأمان ونور مولود (1)
ومن هنا يتضح لنا دور الكلمة -مقروءة كانت أو مسموعة أو مشاهدة- في محاربة الأفكار الهدامة المتطرفة التي يبثها أعداء الوطن على مسامع أبنائنا ليل نهار .
الأسرة هي البداية:
لا شك أن دور الأسرة في تنشئة الأبناء هو دور خطير، وذلك من خلال حرص الوالدين على إقامة علاقة طيبة بعيدة عن التشاحن والتباغض، وأن يتجنبا الخلافات التي تؤثر سلبا على الأبناء، وكذا حرصهما على تجنب الشتائم والإهانات، والتجاوزات الممقوتة، لأن الأبناء يقلدونهما فيما يسمعون ويشاهدون، هذا إلى جانب غرس روح الانتماء وحب الوطن في نفوس الأبناء، وتحذيرهم من أعداء السلام والأوطان، الذين يتربصون بأوطاننا، ويدسون أفكارهم المتطرفة وسمومهم في عقول الشباب.
دور المدرسة:
لا شك أن للمدرسة دورا مهما في صناعة وعي الطالب وتوجيهه الوجهة الصحيحة في التفكير، وهذا يتوقف بشكل أساسي على شكل العلاقة بين الطالب والمعلم والتي ينبغي أن تكون علاقة صحبة ومودة لا علاقة يشوبها الخوف والكراهية، كي يستطيع المعلم أن يصنع منه إنسانا سويا نافعا لمجتمعه، كما ينبغي ألا تكون علاقة المعلم والتلميذ قائمة على المصلحة الشخصية كالدروس الخصوصية مثل؛ الأن ذلك من شأنه أن يقلل من قوة تأثير المعلم على التلميذ، ويقلل من احترامه لمعلمه، وبالتالي لن يأخذ نصائحه وتوجيهاته مأخذ الجد. كما لابد من إعادة مادة التربية الوطنية إلى مناهج التعليم لكي يتعلم الطالب مبادئ الوطنية، وكيف يحارب أعداء الوطن من خلال تمسكه ودفاعه عن تراب الوطن .
دور العبادة:
كما أن دور العبادة "مساجد وكنائس" لها دور مهم في بناء الشخصية السوية وذلك من خلال دروس الوعظ والإرشاد وتوجيه النصح بما جاء في الكتب المقدسة، كالحض على المحبة والتكاتف بين البشر، ونبذ العنف والكراهية، والتلاحم بين نسيج المجتمع مسلمين وأقباط، وأن يزرع الداعية في نفوس الشباب مبدأ المواطنة، وأن هذا الوطن ملك لنا جميعا على اختلاف أدياننا، فيجب علينا أن ندافع عنه ضد قوى الظلام وأعداء الحياة، وألا يكون هناك تمييز ديني أو عرقي بين أبناء الوطن حتى لا يطمع فينا أعداء السلام المتربصون لنا ليل نهار. كما لا بد أن يكون خطابنا الديني خطابا متوازنا عقلانيا، بعيدا عن العصبية والقبلية فلا يكون تعصبنا إلا لأوطاننا وبما يتلاءم مع مقتضيات العصر. وسائل التواصل: لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي "السوشيال ميديا" سمة العصر وأسرع وسيلة للتواصل بين الشباب الآن، لذا يجب أن تكون وسيلة جمع لا وسيلة تفريق بين أبناء المجتمع، فقوى الظلام تتربص بنا ليل نهار، فيجب علينا محاربة الشائعات الكاذبة، ودعاوى العنصرية، والفتنة الطائفية، والتأكيد -كل من خلال موقعه- على وحدة الصف ووحدة النسيج الوطني.
الإعلام:
كما ينبغي أن يكون الإعلام صورة صادقة لما يدور على أرض الواقع، دون مزايدات، ودون تزييف للحقائق لأغراض خبيثة أخطرها شق الصف الوطني، وإضعاف قوى نسيجنا الوطني لأهداف مستترة، طمعا في بلادنا التي تنهض من كبوتها على الرغم من كل ما تعرضت له خلال السنوات الأخيرة. كما يجب علينا مقاطعة الإعلام الموجه، والقنوات التي تشعل نار الفتنة بين أبناء المجتمع الواحد لأهداف خبيثة وكذا الصحف والدوريات التي من شأنها تكدير الأمن العام .
كما يجب علينا تنمية قدرات أبنائنا الثقافية وذلك من خلال حضهم على القراءة، والاهتمام بأن تكون بالبيت مكتبة ولو صغيرة تجمع الكتب التي تركت أثرًا طيبًا في تاريخنا الثقافي، وتعريف الأبناء برموز هذا الوطن من القادة والعلماء والمثقفين، لينشأ الأبناء على حب الوطن والدفاع عن مقدساته ومكتسباته التي هي ملك للجميع، وليكونوا على علم برموز هذا الوطن، وما قدموه لنا من أجل أن نحيا في سلام وأمان.
ولذا من الأهمية بمكان أن تكون هناك رقابة على الأبناء -دون أن نشعرهم بذلك-، لنعرف من يصادقون هل هم رفاق خير؟ أم رفاق سوء؟ ولنعلم اهتماماتهم دون تضييق الخناق عليهم، وهذا لا يكون إلا بصداقتنا لهم.
من ناحية أخرى، ينبغي الاهتمام بتربية الذوق والحس الجمالي في الأبناء وذلك من خلال الفنون المختلفة كالشعر والموسيقى والغناء والرسم، فإن الفن هو أحد أهم أسلحة محاربة القبح والتشوهات التي استشرت في جسد المجتمع، فالفنون تعلم الفضيلة، وتبعث على التفاؤل، وتنشر الجمال في النفوس، وهذا كله من شأنه قيام مجتمع راق متحضر، بعيد عن العنف والجهل والتخلف، والإرهاب والتطرف الفكري.