القاهرة 10 اغسطس 2020 الساعة 03:03 م
كتب: محمد علي
دائمًا ما يُثير شعار "السبكي للإنتاج السينمائي" الكثير من المشاكل، لكنه على الرغم من ذلك يعد من أهم المسهمين في استمرارية إنتاج السينما في مصر بعد نزوح الغالبية الكبرى والاتجاه نحو الاستثمار في الفيلم الأجنبي والتسويق له بالداخل بالتوازي في إنتاج مسلسلات الموسم الرمضاني والتي تجلب أرباحًا من الإعلانات على الشاشة الفضية لا تقارن بشباك التذاكر.
تقابل أفلام آل السبكي باتهامات أغلبها يكمن في إفساد الذوق العام والتأثير بالسلب على أخلاقيات وقيم المجتمع –وهي اشكاليه أخلاقية لا علاقة لها بفن السينما من الأساس– حتى أصبح من العادي والمعتاد أن تلاحق محاضر قضايا الاتهامات تلك في كل موسم سينمائي، والحقيقة أن استمرارهم في الإنتاج السينمائي وعدم الخضوع لكل الأصوات المضادة، والأهم هنا هو أن قوتهم هذه قد استمدت من أرباح شباك التذاكر الذي يدلل بشكل لا مجال للشك في النجاح الجماهيري والذي يفوق بالتأكيد النجاح الفني أو النقدي في مجال تتحكم فيه آليات الرأسمالية، وعليه هو الذي دفع المنتجين مرة أخرى للعودة ودخول سبق المنافسة السينمائية وعودة الروح بعض الشيء لمجال صناعة السينما في مصر.
وبسبب جائحة كورونا قامت شركات الإنتاج بتأجيل موسم عيد الفطر بقوة الإجراءات الوقائية في التباعد الاجتماعي، واستمر التأجيل لموسم الصيف/ عيد الأضحى على الرغم من عودة الروح لدور العرض السينمائي؛ ولكن بسبب خضوع الاعداد لنسبة مئوية معينة أصبح لدي المنتجين تخوف من عدم النجاح التجاري.
ومثلما فعلوا في البدء يعاودون مرة أخرى بتقديم الدعم للسينما المصرية مرة أخرى من خلال تعاونهم مع منصة شاهد الترفيهية لعرض خاص وحصري للمرة الأولى لفيلم "صاحب المقام" للكاتب إبراهيم عيسى والمخرج محمد العدل وبطولة آسر ياسين، بيومي فؤاد، أمينة خليل، يسرا.
تقوم الفكرة الرئيسية لفيلم صاحب المقام حول مفهوم الخطيئة من المنظور الصوفي والروحاني. فمن خلال شخصية البطل "يحيى" الذي ينشغل بحياة البيزنس مما يدفعه لهدم ضريح لأحد الأولياء بغرض بناء مجتمع سكني جديد، وبعد أيام الهدم بقليل تتعرض حياة يحيى لبعض المشاكل التي تبدأ بخسارة في البورصة يليها حريق في ملك خاص له، إلى تعرض زوجته لنزيف في المخ تدخل على أثرة المستشفى والذي فيها يتعرف على شخصية "روح" التي تقوم بدورها يسرا، والتي من خلالها يبدأ في تصحيح مسار حياته.
العامل الرئيسي لقيام الفيلم السينمائي هو السيناريو والحوار الذي يتمكن من خلالهم المخرج من تكوين فريق عمل قادر على تحويل وترجمة هذا الورق إلى صورة مرئية. حياة عيسى الصحفية زاخرة بكل تأكيد، حتى إنه يعد من أبرز كتاب مصر الصحفيين كما أن إنتاجه الروائي كان ناجحا من الناحيتين النقدية والفنية، وكذلك من حيث المبيعات. إنما في تجاربه لكتابة السيناريو والحوار والتي بدأت بسيناريو فيلم "مولانا" ومن بعدة فيلم "الضيف" وفيهما يظهر الكثير من الهشاشة والركاكة في كتابة حبكة سينمائية جيدة.
وفي تجربته الثالثة لم يتطور إبراهيم عيسى، وإنما استمر في تسطيح حبكته في القصة السينمائية وتهميش شخصياته الثانوية، وكذلك عدم الاهتمام بالخطوط الدرامية فيما بين الشخصيات.
مفهوم الخطيئة يخضع للعديد من التأويلات التي تمكن الكاتب من استهلال الموضوع في قصص إنسانية متعددة، وكما معروف عن عيسى اهتمامه بالشأن الصوفي واتباعه للوسطية في مناقشة أمور الدين وحبه الواضح والمُعلن لآل البيت يضع كل هذا في قالب ليناقش من خلاله مفهوم الخطيئة من منظورها الديني/ الصوفي. فالبطل يتعثر في حياته وتسوء أمورة بعد أن هدم الضريح والذي كان بالنسبة لمجموعة من الناس شفيعًا لهم عند الله.. وبفعلته تلك ارتكب الخطيئة ووقع في الإثم.
إذن ما الذي يعيب فيلم "صاحب المقام"؟
من الشائع في معظم الأفلام أن يكون المحرك للأحداث والذي يدفع القصة للأمام هو الشخصيات بكونها تتمتع بجمل حوارية تسهم في خلق مساحة للحدث يتقبلها المتلقي وتساعده في فهم القصة. ويلعب بيومي فؤاد هذا الدور من خلال الشخصيتين حليم وحكيم والذي يكون الأول فيهما هو من كان يحث البطل "يحيى" على عدم هدم المقام وتحذيره دائمًا من خطورة القيام بذلك، بينما الثاني هو من يحبذ دنيا المال والأعمال، ودائمًا ما يسخر من حديث توأمه عن الأضرحة والتبرك بأولياء الله الصالحين. وعلى الرغم من الأهمية التي من المفترض أن تكون عليها الشخصيتان بكونهما كما أشرنا هما اللذان يدفعان القصة إلا أنه لم يهتم بهما من الناحية الإنسانية فيظهران بشكل سطحي شديد حتى إن المُشاهد لا يرى فيهما إلا الثرثرة طوال الفيلم.
وإنما الشخصية المحورية في القصة والتي تمثل رمانة الميزان في الفيلم كونها تغير البطل وحياته منذ ظهورها وهي شخصية "روح" والتي تظهر له وهو في المستشفى ينتظر أن يطمئن على زوجته، نتعرف عليها أكثر عندما تظهر في عدد متتال من المشاهد وهي تبث بداخله شيئا من الطمأنينة، كما أن ظهورها في أنماط مختلفة عن بعضها يشعر المُشاهد بأنه أمام شخصية وهمية، والرمز في اسمها يؤكد على ذلك، لكن بحوار جانبي فيما بين يحيى وإحدى الممرضات نستبين أن روح شخصية حقيقية لها حياتها المادية كما أشارت الممرضة. تطلب روح من يحيى أن يذهب لمن أساء إليه ويطلب منه السماح وعليه يلبي النداء. عدت شخصية روح من أكثر مشاكل العمل بروزًا، فظهورها في مشاهد عدة على أنه خيال في حياة يحيى كان باهتا جدًا ولا يعبر إلا عن ضعف وقصور الكتابة وتحديدًا كتابة الشخصيات، كما أن المشهد الحواري فيما بينها وبين زوجة يحيى يشعرك كمتفرج أنه مقحم على الفيلم وقدم دون مبرر فمن أين عرفت يحيى، ولماذا تسعي في أن تغير حياته طالما أنها ليست برسول، ولماذا أصر الكاتب والمخرج أن تظهر في كل المشاهد التي يقوم فيها يحيى بتقديم يد المساعدة.
إنما عن شخصية الزوجة والتي كانت أكثر الشخصيات تهميشًا على مستوي الكتابة، فهي تظهر في البداية وهي متذمرة من حياة الزوج وانشغاله الدائم بحياته العملية، وفي لحظة ما تقرر أن تشاركه الحديث عن هدم المقام، وفجاءة وبدون مقدمات تسقط أرضًا وعليه تُحجز في المستشفى التي فيها تتعرف على روح هي الأخرى ويتشاركان في عملية تغيير حياة يحيى. هذا فقط الدور الذي قامت به أمينة خليل. شخصية لم يكلف الكاتب نفسه بوضع اسم لها، حتى إن المُشاهد العادي يكاد يُجزم أن مرادف "بيبي" كان السبب وراءه حرفية واتقان آسر ياسين لفن التمثيل.
تتبقي شخصية يحيى، والتي فيها وضع الكاتب كل الفيلم وعلى الرغم من ذلك لم تخلو من عيوب وقصور في الكتابة لم تظهر بسبب الأداء القوي الذي قام به آسر. تبدأ الشخصية في الظهور بشكل أكثر عمقًا عندما يتذكر يحيى صورة تجمعه مع والدة في مسجد الحسين، وعليه يتوجه لهناك مقررًا أن يأخذ رسائل المحتاجين لشفاعة الحسين ليقوم بتنفيذ ما يقدر عليه، ظنًا منه بأن ذلك هو ما أشارت إليه روح في حوارها معه. يبدأ في تلبيه احتياجات الناس دون إلقاء الضوء على كيفية فعل ذلك أو على الأقل الطريقة التي من خلالها سوف ينفذ خطته تلك. فتظهر المساعدات جميعها على شاكله واحدة، حتى التي من المفترض أن تكون نقطة صراع أخرى من الواضح أن البطل سيشتبك معها للتأكيد على أن حاله قد تبدل وتغير للأفضل كما في مشكلة "أمل" والتي أخذت حيزًا على الورق؛ لكنه جاءت بشكل بدائي لحد كبير حتى إن حل المشكلة يتضح منذ طرحها لا يوجد حبكة أو مفاجأة، شأنها شأن نهاية الفيلم التي تضح من النصف الثاني للفيلم.
على الرغم من كل تلك العيوب إلا أن فريق العمل بقيادة المخرج محمد العدل استطاع أن يقدم صورة بصرية جيدة الصنع من خلال زوايا تصوير وحركات كاميرا تتلاءم مع الجو العام للفيلم، وذلك كما في مشاهد الأضرحة والمساجد وأيضًا في الانسيابية التي كانت عليها حركة الكاميرا وهي تدور مع يحيى في شوارع القاهرة.
ويظهر نجاح المخرج أيضًا في توجيه لممثلين ضيوف الشرف الذين قاموا بأدوار أصحاب الجوابات، فعلى الرغم من كتابتهم بشكل ركيك وسطحي وكأنهم مأخوذون من أي من صفحات أو أخبار الحوادث إلا أنه استطاع أن يستغل أدواته في إخراج مشاهد تمتعت بصدق في المشاعر.
خلق صاحب المقام جدل واسع على السوشيال ميديا والتي سريعًا ما قام روادها بالبحث وراء الأعمال الأجنبية المشابهة للفيلم، وكذلك أخذ آخرون من الجانب السلفي في الرد على الكاتب بأنه يدعو الناس للإيمان بالأضرحة والخوف من عواقب إزالتها. وكثيرون لم يروا في الفيلم ما يستدعي الخناق والمناقشة من الأساس. إلا أن كل ذلك الجدل قد أسهم في زيادة نسبة المشاهدة على المنصة التي كانت قد أعلنت نسبة تخطت ال 40 مليون مشاهدة بخلاف مواقع الويب العديدة والتي قامت بالقرصنة على المادة الفيلمية والذي يعد جريمة في أي حال من الأحوال.
في النهاية، يعد التعاون مع شركات إنتاج السينما ومنصات المشاهدة الإلكترونية حدثا مهمًا في هذه الفترة وأن هذه التجربة لم تكن فاشلة على الإطلاق لكونها حققت ما تبتغيه الصناعة التجارية في أساسها وهي جني الأموال نظير المشاهدة، وأن نجاح تلك التجربة بكل تأكيد سوف يشجع المنتجين على تكرارها؛ مما يعود بالنفع على استمرارية الصناعة.