القاهرة 30 يوليو 2020 الساعة 10:21 ص
كتبت: زينب عيسى
رغم اختلاف النقاد حول "أدب المناسبات" بيد أن قريحة الشعراء لم تعدم الخيال لتخليد المناسبات المهمة كالأعياد والأفراح، ولكل زمن مناسباته التي تعكس أحوال المجتمع بما جعل تلك الطقوس تشكل هوية الأوطان على مر العصور، وكتب الشعراء في الأعياد قصائد تراوحت ما بين المدح والهجاء، وما بين الحزن والفرح، فدبج بعضهم قصائد المدح في الأمراء. وذهب آخرون إلى قدح السلاطين لظلمهم و جبروتهم. في النهاية حفظت "ذاكرة العرب" قصائد الأعياد في القديم والحديث لتظل مرجعا وتاريخا مرويا للأجيال اللاحقة..
والأعياد منذ العصور القديمة قد استغلها الشعراء للتقرب إلى أولي الأمر والسلاطين، وشهدت ساحات القصور السلطانية حضورا كبيرا لهذا النوع من الشعر في الأعياد، بل استغل بعض الشعراء الأعياد ليلقوا قصائد هجاء عبروا من خلالها عن يأسهم من الأوضاع السائدة. ومن أشهر قصائد المدح في الأعياد ما قاله المتنبي في مدح لسيف الدولة الحمداني حين قال أبياته الشهيرة:
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ.. وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيد
وَلا زالَتِ الأَعيادُ لُبسَكَ بَعدَهُ.. تُسَلِّمُ مَخروقًا وَتُعطى مُجَدَّدا
فَذا اليَومُ في الأَيّامِ مِثلُكَ في الوَرى.. كَما كُنتَ فيهِم أَوحَدًا كانَ أَوحَدَ
أما هنا يتقلب بين مشاعر الشوق والحنين لأهله في هذه المناسبة:
يُضَاحِكُ في ذا العِيدِ كُلٌّ حَبِيْبَهُ.. حِذَائي وأَبْكِي مَنْ أحِبُّ وأَنْدُبُ
أَحِنُّ إِلى أَهْلِي وَأَهْوَى لِقَاَءهُمْ.. وَأَيْنَ مِنَ المُشْتَاقِ عَنْقَاءُ مُغْرِبُ؟
فيما كتب أبي الفرج بن سلامة عن فراق أحبابه بالعيد:
من سره العيد فما سرني.. بل زاد في همي وأشجاني
لأنه فكرني ما مضى.. من عهد أحبابي وإخواني
وهو نفسه المتنبي الذي كتب قصيدة هجاء في حاكم مصر الإخشيدي في العيد بسبب سوء الأحوال خلال حكمه قائلا:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ.. فَلَيتَ دونَكَ بيدًا دونَها بيدُا
ويروى عن الشاعر العباسي أشجع بن عمر السلمي أنه كتب إلى الخليفة هارون الرشيد أبياتاً تتراوح بين المدح والتهنئة في أحد الأعياد، قائلا:
لا زلتَ تَنشُر أعياداً وتَطْوِيها
تَمْضِي بها لكَ أيام وتَثْنِيها
مستقبلا زِينةَ الدُّنيا وبَهْجَتها
أيامنا لك لا تَفْنَى وتُفْنِيها
ولا تَقضَّت بك الدُّنيا ولا بَرِحَتْ
يَطْوِي لك الدَّهرُ أياماً وتَطوِيها
ولْيَهْنِكَ الفتحُ والأيّام مُقبِلةٌ
إليكَ بالنصر مَعقوداً نواصِيها
أما البحتري الذي عاش في زمن المتنبي وأبو تمام، وقال عن قدوم عيد الفطر بعد رمضان:
مَضَى الشَّهْرُ مَحْمُودًا وَلَوْ قَالَ مَخْبَرًا
لأَثْنَى بِمَا أَوَلِيَتْ أيَّامُهُ الشَّهْرَ
عَصِمَتْ بِتَقْوَى الله وَالْوَرَعِ الَّذِي
أَتَيْتُ فَلَا لَغْوٌ لَدَيْكَ وَلَا هَجْرٌ
وَقَدَّمَتْ سعيًا صَالِحًا لَكَ ذُخْرُهُ
وَكُلَّ الَّذِي قَدَّمَتْ مِنْ صَالِحِ ذُخْرٍ
وَحَالَ عَلَيْكَ الْحَوْلِ بِالْقُطْرِ مُقْبِلًا
فَبِالْيَمَنِ وَالْإقْبَالِ قَابِلِكَ الْفُطْرَ
وكتب ابن الرومي شاعر العصر العباسي المشهور أبياتا ما بين المدح والتهنئة بالعيد، قائلا:
وَلَمَّا اِنْقَضَى شَهْرُ الصِّيَامِ بِفَضْلِهِ
يُحْكَى هَلَاَلُ الْعِيدِ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ
كَحَاجِبِ شَيْخِ شَابِّ مَنْ طُولِ عَمْرِهِ
يُشِيرُ لَنَا بِالرَّمْزِ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ
قَدْ مَضَى الصَّوْمُ صَاحِبًا مَحْمُودًا
وَأَتَى الْفُطْرُ صَاحِبًا مودودا
ذَهَبَ الصَّوْمِ وَهُوَ يَحْكِيكَ نُسْكَا
وَأَتَى الْفُطْرُ وَهُوَ يَحْكِيكَ جُودَا
ويقول أبن المعتز في تحري ليلة الرؤية:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أضاء هـلالُـه ..فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ .. قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ من عَنْبَـرِ
وفي العصر الحديث لم يترك الشعراء مناسبة إلا وعبروا فيها عما يختلج بنفوسهم فرحا أو حزنا، حسرة أو زهوا، فها هو إيليا أبو ماضي، يعتذر لحبيبته في العيد، شعرا لعجزه عن تقديم هدية إلىها قائلا:
أيّ شيء في العيد أهدي إليك
يا ملاكي، وكلّ شيء لديك؟
أسوار؟ أم دملجا من نضار؟
لا أحبّ القيود في معصميك
أم ورودا؟ والورد أجمله عندي
الذي قد نشقت من خدّيك
أم عقيقا كمهجتي يتلظى؟
والعقيق الثمين في شفتيك
ليس عندي شيء أعزّ من الروح
أما الشاعرة الفلسطينية فدوي طوقان فكان عيدها حزنا وحسرة على منزلها الذي تركته، فكانت سطورها عن التشرد وفقد الأهل والسكن:
اليوم، ماذا اليوم غير الذكريات ونارها؟
واليوم، ماذا غير قصة بؤسكنَّ وعارها؟
لا الدار دارٌ، لا، ولا كالأمس هذا العيد عيدُ
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طريدُ
عان تقلّبه الحياة على جحيم قفارها
وكمواطنته، عبر الشاعر الفلسطيني عمر بهاء الدين الأميري عما تشهده مدينة القدس من أهوال قائلا:
يمـرُّ علينا العيـدُ مُـرَّا مضرَّجـًا .. بأكبادنا والقدسُ في الأسْـرِ تصـرخُ
عسى أنْ يعـودَ العيـدُ باللهِ عـزّةً .. ونَصْـرًا، ويُمْحى العارُ عنّا ويُنْسَـخُ
الشاعر جبران خليل جبران يعود ليطل علينا بديوان يحمل بهجة العيد قائلا:
هل الهلال فحيوا طالع العيد
حيوا البشير بتحقيق المواعيد
يا أيها الرمز تستجلي العقول به
لحكمة الله معنى غير محدود
كأن حسنك هذا وهو رائعنا
حسن لبكر من الأقمار مولود
لله في الخلق آيات وأعجبها
تجديد روعتها في كل تجديد.