القاهرة 09 يوليو 2020 الساعة 12:57 م
كتب: محمد حسن الصيفي
كتب المؤلف الأمريكي ديل كارنيجي "كلما ترفّه الجسم تعقدت الروح" وهي واحدة من أكثر الاقتباسات واقعية وانسجامًا مع العصر الحالي.
تذكرت المقولة حين انتهت علاقتي باثنين من الأصدقاء خلال أسبوع واحد بسبب أحد الرموز التعبيرية خلال محادثات نصية على فيسبوك!
الأمر الصادم أن هذا ما حدث بالفعل وليست قصة من وحي الخيال!
أحالني الأمر إلى التفكير في المسمّيات التي نشأت عليها، عن معنى الصداقة الحقيقي والمبتذل، عن جدوى الحياة الافتراضية، عن ازدواجية المفاهيم قبل الانفجار الإلكتروني وما بعده.
حتى التسعينيات كان للأشياء معنى واحد، أو على الأقل معانٍ مختلفة؛ لكنها جميعًا ملتصقة بالواقع، أما ما بعد الانفجار الإلكتروني فلكل مسمى خيال، ولكل معنى ظل، والحياة أصبحت تلعب معنا لعبة الظل والضوء.
هنا صداقة في الواقع وهناك صداقة إلكترونية، هنا حب وهناك حب، هنا إعجاب وهناك إعجاب من نوع آخر، هرشة دماغ، وأعباء جديدة يفرضها الزمن بذيوله وتطوراته، ورفاهية الآلة أحالت المعاني النبيلة إلى أشباح تنخر في الأرواح كما ينخر السوس في العضم.
أي صداقة تلك "لو كانت حقيقية" تنتهي بسبب رمز تعبيري؟!
نكتة سخيفة، وإزهاق لتلك المعاني الجميلة التي اكتظت بها عقولنا من دراما الثمانينيات والتسعينيات، إعدام للحب وأشياءه الأخرى، قتل مع سبق الإصرار والترصد لضمير أبلة حكمت!
حياة واقعية فارغة، وحياة إلكترونية مزدوجة وصاخبة ومغلوطة، ألعاب إلكترونية تتسبب في العديد من حالات الطلاق والتشاجر والقتل، رموز تعبيرية تحكم على مفهوم الصداقة الرث بالإعدام، غراميات تتوارى خلف رموز سريّة، معاكسات وتحرشات وقضايا تصل للمحاكم بسبب رسائل خادشة ومهينة!
من اللص هنا؟ على من نطلق الرصاص بتهمة سرقة الزمان؟ وفي أي مكان نقيم المحاكمة؟!
على صفحات الجرائد أم في المحاكم أم على صفحات الفيسبوك؟
من نُحب الآن؟ الإنسان أم الآلة؟ الإنسان صاحب القلب والمشاعر وحمرة الخجل، أم الإنسان الآلي المتواري خلف جسم معدني أقل من حجم الكف يرسل من خلاله دفعات قاتلة من الحروف والكلمات في أقل عدد من الثواني والدقائق؟
أين يسكن الشيطان هذه الأيام؟
هل لا يزال يكمن في التفاصيل أم استقال وتفرغ لمشاهدة طويلة مسلية على الإنسان!
أي مرحلة تلك التي تحوّل فيها الإنسان لشبح مُنكس الرأس في الشوارع والمواصلات وأماكن العمل والمتنزهات والمقاهي، ضرب الشيطان ضربته وبجسم معدني أقل من حجم الكف، جسم لا يطلق الرصاص ولا يُحدث الانفجارات ولا يطلق القنابل، لكنه أشد فتكًا، أشد بؤسًا، جسد اغتال الإنسان بطول الأمل وتجويف معاني الحياة، إغراء ما بعده إغراء، النجم أصبح هو المواطن والمواطن هو النجم والعالم يقبع داخل الشاشة، والشاشة متحكمة ومهيمنة على المصائر، الحرف هنا ألعن من الطلقة، والرمز هنا أشد فتكًا من رموز قنابل الحرب العالمية الثانية، أصبح الإنسان عبدًا بدرجة نجم، والبركة في كبيرهم الذي علمهم التاتش، أبانا الذي طوّر الأندرويد، وصنع أربع كاميرات خلفية تستطيع الكشف عن مكنون الصدور لو أرادت!