القاهرة 07 يوليو 2020 الساعة 10:25 ص
كتب: أحمد اللاوندي
ولد الدكتور سيد البحراوي بمحافظة المنوفية في 9 يناير (1953)، ومنذ أيام تحل ذكرى رحيله السنوية الثانية، حيث غادرنا في 15 يونيو عام (2018) بعد صراع طويل امتد لسنوات مع مرض السرطان. ولعلني لا أكون مبالغًا إذا قلتُ: إنه لا يوجد أي ناقد مصري معاصر يحظى بكثير من الحب مثل الذي كان يحظى به الناقد والأكاديمي والمفكر والأديب د. سيد البحراوي. فقد عرف عنه أنه لم يجامل أحدًا إطلاقًا، وكان مثالا رائعًا لأستاذ الجامعة الملتزم، الذي يعلم قيمة نفسه وشأن العلم وعظمة رسالته، فابتعد عن المشاحنات التي تعكر نقاء سريرته وصفاء وجدانه. أعطى جُلَّ وقته لتخصصه وتلاميذه، وحرص على أن يكون صديقًا لهم حتى النهاية، ودائمًا كان يتواصل مع الجميع بدأب وتواضع، ودون تكلف أو اصطناع.
عمل د. سيد البحراوي أستاذًا للأدب العربي الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، وأيضًا بجامعة ليون بفرنسا، تولى الإشراف على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه في مصر، والجزائر، وغيرهما. كما شارك بالمؤتمرات العربية والدولية منذ (1979). نشرت مقالاته في كبرى الصحف والدوريات المصرية والعربية والفرنسية، وكتب عنه العديد من الباحثين في كتاب صدر عام (2010) عن دار العين؛ عنوانه: "النقد والإبداع والواقع.. نموذج سيد البحراوي"، قدَّمه د. محمد مشبال، وقد تحدث الكتاب في مجمله عن قراءته للحياة والموت والألم في أعماله الروائية.
الراحل د. سيد البحراوي له نظرياته النقدية الخاصة التي تراعي واقع المجتمعات العربية وثقافتها، كذلك؛ ظل مواكبًا لتطلعات الحركة النقدية العربية بشكل عام، وكان نتاجه غزيرًا، فأصدر عشرات الكتب التي ستبقى حاضرة بلا شك؛ وشاهدة على نبوغه وعلى أصالته. من بينها: "علم اجتماع الأدب" (1992)، "العروض وإيقاع الشعر" (1993)، "البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث" (1993)، "محتوى الشكل في الرواية العربية" (1996)، "في البحث عن لؤلؤة المستحيل" (1997)، "كتاب العروض للأخفش"- تحقيق ودراسة (1998)، "المدخل الاجتماعي للأدب" (2001)، "صناع الثقافة الحديثة في مصر" (2002)، "الشعر العربي الحديث في مصر" (2002)، "الأنواع النثرية في الأدب العربي المعاصر" (2003)، "في نظرية الأدب" (2008)، "الحداثة التابعة في الثقافة المصرية" (2008)، "الإيقاع في شعر السياب" (2011). كما أصدر أربع روايات هي: "ليل مدريد" (2002)، "طرق متقاطعة" (2005)، "هضاب ووديان" (2006)، "شجرة أمي" (2007).
ولعل أجواء آلامه وأوجاعه التي عاشها مع المرض، جعلته يصوغ الكثير من الإشارات والتأملات، وقد نشرها جميعها في كتاب سمَّاه (في مديح الألم).. ومن وجهة نظري؛ فإن هذا الكتاب يعد من جنس السيرة الذاتية الممتع والمحفز على إكمال القراءة حتى النهاية.. حيث يحكي بصدق من خلاله عن تفاصيل يومية مهمة، وعن رؤيته للحياة والأدب. يقول: "كنت أحاول أن أعيش بأقل قدر من الألم ومن التعاسة، وبأقل قدر ممكن من إزعاج الآخرين، كما كنت إلى حد ما سعيدًا، وحين فكرت في احتمال الموت، لم أكن منزعجًا، فليأت إذا أراد".
إنني وبعد هذه الإطلالة السريعة للغاية، أستطيع أن أقول: إن د. سيد البحراوي كان إنسانًا نبيلا، وأكاديميًّا مخلصًا، حرِّض طلابه على السعي وراء حرية التفكير، وعلى استقلال الرأي. كان شديد الحساسية ومرهفًا إلى أبعد مدى، ولن يختلفَ أحدٌ على مكانته، وعلى قيمته، وعلى ثقافته الموسوعية؛ والتي مكَّنته بالطبع من أن يترك بصمة فريدة، أظن بأنها قد ساهمت بشكل كبير وستظل تساهم؛ في تشكيل وجدانات جيل كامل من النقاد، ومن الأدباء الجدد.