القاهرة 07 يوليو 2020 الساعة 09:53 ص
كتب: أحمد مصطفى الغر
قبل أشهر قليلة، قام فريق من المهتمين بأعمال الترميم للحفاظ على الأعمال الفنية في بريطانيا، بترميم لوحة نادرة لعبد أفريقي لعرضها في متحف ليفربول، اللوحة التي تحمل عنوان "ألست رجلا وأخا" تظهر عبد أفريقي جاث على إحدى ركبتيه ومصفد بأغلال وينظر إلى السماء، وتصميمها قد وُضِعَ تصميمها بتكليف مباشر من لجنة إلغاء تجارة الرقيق عام 1787، وتم استخدمها في حملة ضد العبودية، مما جعلها من أول الشعارات التي استخدمت لنصرة هذه القضية الشائكة. وقد عاد الحديث عن هذه اللوحة وغيرها من اللوحات والتماثيل والأعمال الفنية، في إطار الاحتجاجات الواسعة التي تشهدها بعض البلدان ضد العنصرية والتمييز ضد الأقليات.
فالعنصرية كرافد أساسي جاء من العبودية، فرضتها أمريكا وعدد من الدول والإمبراطوريات الأوروبية منذ عقودٍ طويلة ضد الأفارقة أصحاب البشرة السوداء، لم تكن سبباً في الاحتجاجات الأدبية فقط، وإنما أيضاً الفنية، وبالرغم من التحرر الذي ناله الكثير من العبيد بعد الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية، لكن لازالت العبودية تلقي بظلالها من خلال العنصرية التي يمارسها أحفاد الجنس الأبيض في الولايات المتحدة والدول الأوروبية حيال الأقليات، وخاصة أقلية أصحاب البشرة السمراء، فبعض النفوس لا تزال تمتلئ بالحقد.
لقد ساعدت حادثة "مينيابولس" الأخيرة أن تعيد للأذهان صور التاريخ الملطخ بالانتهاكات، فنجد الكثير من الفنانين قاموا بتجسيد بشاعة العبودية والعنصرية، منهم الفنان والمصور الفوتوغرافي "كين غونزاليس داي" الذي وثق في "أرض الظل" وغيرها من أعماله، ما يعبر عن رفضه واستنكاره لكلِّ مايدل على قسوة ونذالة العنصرية، وفي في عام 1632 رسم الفنان "كريستيان فان كوينبيرج" لوحته المعروفة باسم "3 رجال وامرأة سوداء"، وهي لوحة تفضح الانتهاكات الجسدية الصارخة التي كانت تتم بحق النساء السود من قبل ملاكهن من الرجال البيض، حيث تصور هذه اللوحة، الموجودة الآن ضمن مقتنيات متحف الفنون الجميلة في ستراسبورج، 3 رجال يحاولون الاعتداء على امرأة سوداء، يكسو وجهها الفزع بينما تكسو وجوههم ابتسامة خبيثة، تعكس مدى انحطاطهم وقسوتهم.
لقد نجح الفن عبر لوحات لازال أغلبها موجود في المتاحف العالمية في إدانة الإعدامات التي كانت تنفذ بحق العبيد السود قديما، حيث سعت تلك اللوحات والتماثيل في توثيقها وترسيخها في الذاكرة البشرية، إحدى أشهر هذه اللوحات، هى لوحة للرسام الأمريكي من أصل أيرلندي "ويليام أيكن ووكر" الذي عكست لوحته "جامعو القطن" أعلى درجات العنصرية ضد السود، ممن كانوا يعملون في مزارع وحقول القطن، فكانت مكافأتهم التعذيب والذل والاستعباد والقتل. كذلك في لوحات الفنان الأمريكي "نورمان روكويل" الصادمة، والتي من أشهرها لوحة "المأساة التي نعيشها"، وهى تجسد صورة طفلة سوداء، تشد دفاترها على صدرها، وهي تدخل مدرسة لذوي البشرة البيضاء، تلاحقها صور الجدران الملطخة بالطماطم وألفاظ التمييز العنصري التي منها كلمة "زنجية".
لا شك أن بإمكان الفن أن يتظاهر، وأن يحشد في معارض ومتاحف العالم لوحات عديدة، وبألوان غاضبة ومضامين عنيدة، تؤرخ للوحشية والعنصرية، تؤرخ لكيفية تحرر البشر من أغلال الظلم والاحتقار والقسوة التي لازالت موجودة، وتمارسها بعض الدول الكبرى، وتتمادى في تمييزها العنصري المعهود، ومن الصعب ـبل من المستحيلـ أن ينجح الفن في تبييض هذا التاريخ الأسود أو محوه، بل على العكس، وكما هو معهود دائماً فإن الفن هو مرآة الواقع، مرآة التاريخ وذاكرته، لن تمحو جميع لوحات الفن والتصوير والنحت حق الإنسانية المهدور بالأصفاد والحرق والتعذيب والقتل والذبح الوحشي.