القاهرة 30 يونيو 2020 الساعة 11:00 ص
كتب: طلعت رضوان
الأديب الكبير فتحى غانم (1924- 1999) ترك تراثا إبداعيا متميّزًا، تناول فيه المخاطر التى يتعرّض لها مجتمعنا المصرى، مثل خطورة التنظيمات الإسلامية كما فى رواية (الأفيال) ونظرًا لأنه عمل فى مجال الصحافة بمؤسسة روزاليوسف، ومؤسسة دار التحرير.. ورأس مجلس الإدارة والتحرير، لذلك تناول (خفايا المطبخ الصحفى) فى عمليْن كبيريْن (الرجل الذى فقد ظله- أربعة أجزاء) و (زينب والعرش- حوالىْ800صفحة من القطع الكبير).
فى (زينب والعرش- الصادرة عن مطابع روزاليوسف- يناير1988) مزج المؤلف الصراع داخل عالم الصحافة، بالواقع السياسى.. وحول هذا الواقع المزدوج أدار المحور الثالث، أى العلاقات الاجتماعية/ الشخصية.. والتركيز على العاملين بالصحافة.. وبصفة خاصة شخصية عبد الهادى النجار (الصحفى الكبير المشهور) وأحمد دياب (رجل المخابرات) ونائبيْن لرئيس التحرير (يوسف منصور، وحسن زيدان) وحول هؤلاء تشتبك العلاقة مع شخصية زينب.
وبالرغم من أنّ المؤلف كتب فى الصفحة الأولى من الجزء الأول، أنه يرجو من القارئ أنْ لا يجهد نفسه فى محاولة ربط شخصيات الرواية، بشخصيات شبيهة فى الواقع، فإنّ القارئ المتابع للواقع السياسى والثقافى المصرى، يسهل عليه الربط بين شخصيات الرواية ومقابلها فى الواقع.. وعن شخصية عبد الهادى النجار، فإنه عمل بالصحافة فى العهديْن الملكى والجمهورى.. ومشهور بنشر صحافة الفضائح وأخبار نجوم السينما (خاصة كثرة الزيجات والطلاق.. وتعدد العلاقات.. إلخ) ولذلك كان من الطبيعى أنْ يقول ليوسف منصور إنه (مستعد لنشر قصائد غزل فى الفلاحين كل يوم.. ولكن لا تطلب منى أنْ أنال شرف التعامل معهم).
ولأنه رمز كبير للتمرس على الانتهازية، لذلك عندما علم بأنّ الضباط سيطروا على الحكم فى يوليو1952سارع للاتصال بهم والانضمام إلى أول تشكيل حزبى يمثل السلطة الجديدة (هيئة التحرير التى تأسّستْ فى يناير1953) وبالرغم من ذلك فإنه تشكك فى (مزاعم القادمين الجدد الذين صوّروا أنفسهم على أنهم (ملائكة) جاءوا لطرد (الشيطان) و (تطهير ما فى المجتمع من فساد) واعتبره (نوع من أدوات الزينة التى يتحلى بها الذين اعتلوا السلطة) (ج1- ص89).
وعندما عاتبته زينب؛ لأنه يقضى سهراته فى بيت زوجها (نورالدين) فى لعب القمار مع شخصيات تافهة قال: وأين أضيع وقتى يا سيدتى..إننى لا أجد فى البلد إلا أمثال هؤلاء الحيوانات.. فعلق أحد أعضاء (جلسة القمار): إذا كان هنا حيوان حقيقى فهو عبد الهادى شخصيا (ج1- ص118). وعندما توطدتْ علاقته بزينب التى حـدّثته عن ذكرياتها بأبيها، قال لها: أما أبى فقد كان (مُـهرّجـًـا رخيصـُـا) وشعرتُ دائمًـا أنى ابن ذلك المهرج الرخيص..وعندما أتذكرأبى كنتُ أقتله داخلى، فعلتُ ذلك وهوحى..وفعلته آلاف المرات وهوميت (ج1- ص153)
وتعوّد -بحكم منصبه.. ووضعه الاجتماعى- على المكالمات التليفونية من نساء من كل لون.. ولم يندفع وراء هذه المكالمات..ولكنه- فى نفس الوقت- لم يرفضها، فقد علّـمته التجارب أنّ أكثر هذه المكالمات خلفها (هدف مستتر) ومن مصلحته أنْ يكشف هذا الهدف.. ويعرف أنّ من بين حيل رجال المخابرات.. وضع بعض النساء فى طريقه.. وكان يقول لنفسه ساخرًا: إنى مدينٌ للمخابرات بأجمل مغامراتى النسائية..ولا أستطيع رفض الطــُـعم الجميل.. وكأنى (قديس) والعياذ بالله، فإنهم لن يصدقونى.. وسوف يستفزهم رفضى.. وكأنى أتحداهم.. ولذلك يجب أنْ أتظاهربأنى قد ابتلعتُ الطــُـعم (ج1- ص269) فى هذا المشهد دليل على أنّ هذا الصحفى المُـحنــّـك الذى مدح رجال السلطة فى العهديْن الملكى والجمهورى، يجيد قواعد اللعبة مع جهاز المخابرات المشرف على واحدة من أهم (صناعة الرأى العام فى العصر الحديث، أى الصحافة.. ولكن هل هو يثق بنفسه لدرجة عدم الخوف؟ أم تنتابه الهواجس؟ فعندما اتصلتْ به زينب- لأول مرة- وطلبتْ مقابلته قال لنفسه: لماذا يهاجمنى خاطر أنها (رسولة المخابرات)؟ وأضاف: يجب أنْ أتخلص من هذا المرض النفسى، الذى يجعلنى أتوهم أنّ كل امرأة تتصل بى هى مبعوثة المخابرات، ولكن من يدرى، لعلهم جندوها لتكون فى خدمتهم..وانتقلتْ شكوكه إلى حسن زيدان نائبه (ج1- ص271،273) وفى اللقاء الثانى مع زينب- بناءً على طلبها.. كرر تعبير ((لعلــّـها مبعوثة المخابرات)) (ج1- ص283) فى تأكيد من المؤلف على (دولة المخابرات)
ولأنّ الفاسدين مُـتآلفون لذلك عندما قال الصحفى الانتهازى (حسن زيدان) لرئيسه عبدالهادى النجار: لماذا تكرهنى يا أستاذ؟ كان الرد: أنا أكرهك يا حسن!؟ أكره تلميذى؟ أكره ابنى؟ مستحيل أكرهك إلا إذا كرهتُ نفسى (ج1- ص292).
وعندما علم بأنّ قوات الشرطة (حاصرتْ) جريدته الصادرة فى عهد الملك، بتمويل من مدكور باشا.. وتأمّـمتْ فى الستينيات، لم يهتم ولم ينزعج.. وكان يتوقع هذا الإجراء.. وتعيين رجل المخابرات (دياب) رئيسا لمجلس الإدارة.. وبالرغم من ذلك أصرّ نظام الحكم على أنْ يظل عبد الهادى فى منصب رئيس التحرير (ج1- من ص319- 322).
وعندما أخبرته زينب أنها حامل منه.. وقالت له لا تنزعج.. ولا تشغل بالك فقد حـدّدتُ موعدًا مع الطبيب للتخلص من الجنين.. وأنها ستطلب الطلاق من نور الدين، لتتزوج من عبد الهادى، فإنه انزعج أكثر وقال بحسم: لن أتزوجك. فقالت: كنتُ أظن أنك تمتلك حريتك! فتحجج بحدث تأميم الجريدة.. ومنذ تلك اللحظة احتقرته (ج1- من ص326- 330).
وبعد قرار تأميم الجريدة، اجتمع دياب (رجل المخابرات ورئيس مجلس الإدارة) بالصحفيين وحدّثهم عن أهمية نشر (الفضيلة والأخلاق الحميدة) وأسهب فى هذا الموضوع أكثر من نصف ساعة.. وفى الختام سأل عبد الهادى إذا كان يرغب فى الحديث، فابتسم عبد الهادى.. وبعد أنْ أثنى على كلمة (دياب) أعطى درسا -بطريق غير مباشر لدياب- بالرغم من أنه تعمّـد أنْ يقول: زملائى الصحفيين، الصحافة ليس من مهمتها إرسال القارئ إلى الجنة.. ولا عودة الملحد إلى الإيمان.. والصحفى ليس شيخا بالأزهر.. ولو حدث فعلينا ترك الصحافة والانضمام للأزهر، الصحافة خبر ورأى.. والخبر قبل الرأى.. وعلينا أنْ نتذكر أنّ المواطن يحصل على عقيدته من أسرته، لامن سطور فى جريدة. اعتبر دياب أنّ حديث عبد الهادى نوع من التحدى له شخصيــًـا.. وانفجر الموقف بينهما (ج1- من ص313- 334).
طلب دياب يوسف فى مكتبه..وأمرساعى المكتب بعدم دخول أى شخص..وقال ليوسف بصوت أفرب إلى الهمس: مبروك لقد صرتَ عضوًا فى التنظيم الطليعى، ثـمّ شـدّد عليه أنْ لايبوح لأحد بهذا الأمر..وعلى مدارأكثرمن نصف ساعة شرح له أهداف (تنظيم الدولة السرى) وأنه لصالح الوطن..وللتعرف على الفاسدين وأعداء النظام للتخلص منهم..وأنّ النشرات التى يــُـصدرها التنظيم لا يجب أنْ يراها أحد غيره.. إلخ.. وبعد أنْ خرج من مكتب دياب.. وفى أول لقاء مع عبدالهادى قال له: طبعـًـا أدخلوك التنظيم.. احمر وجه يوسف.. وكأنّ صاعقة نزلتْ على رأسه.. وأضاف عبدالهادى: كان يجب أنْ تكون فى التنظيم، فوضعك كنائب لرئيس التحرير يتطلب هذا.. وعندما أبدى يوسف الدهشة، لم يمهله عبد الهادى فأضاف: جهاز مخابرات جديد، استنكر يوسف هذا الكلام، فسأله عبد الهادى: إذن لماذا أدخلوك فيه.. ولماذا أدخلونى أنا فيه؟ واستطرد عبد الهادى فى الكلام عن خطورة هذا التنظيم الذى مهمته التجسس على المواطنين.. وكانت أخطر صاعقة نزلتْ على رأس يوسف عندما قال عبد الهادى بسخرية: لقد زارنى صحفى أمريكى.. وسألنى رأيى فى هذا التنظيم (ج1- من ص345- 359).
ولأنّ عبد الهادى صحفى (محنك) ويجيد قراءة الواقع السياسى والثقافى؛ لذلك قال ليوسف: إنّ دياب يتصرّف بحماقة.. ولا يفهم أنّ نظام الحكم يحتاج لأمثالى أكثر من أمثاله، ليكن هو رئيس مجلس الإدارة.. وصاحب السلطة والأمر والنهى.. ولكن عندما يتطلب الأمر كسب ثقة الجماهير، فلن يتركوا الأمر لدياب ولا للمفكر الكبير همام (همام فى الرواية يسهل على أى قارئ متابع للحركة الثقافية المصرية التعرف على شخصيته الحقيقية..وذلك من خلال الإشارات والمفاتيح التى بثها المؤلف) ولما انتشرتْ أخبار علاقة عبد الهادى بزينب المتزوجة قال: إنهم لا يحاربونى لأنى أحببتُ امرأة متزوجة.. ولم يتحروا عن علاقة هذه السيدة بزوجها.. وكيف تزوّجته والظروف التى قهرتها.. كل هذا لا يهم جهاز المخابرات.. وأنّ اهتمامهم ينصب على (وجود جريمة) ليظهروا أمام الرأى العام على أنهم (حماة الفضيلة).
وكلما سمع تعبير (مصلحة البلد) الذى يتردّد باستمرار على لسان رجل المخابرات (دياب) وعلى لسان تابعه الساذج (يوسف منصور) كان عبد الهادى يسخر من هذا التعبير.. ويقول لنفسه: إنّ بعض أنظمة الحكم ترتقى بأعمال القرصنة، وبما يخرج منها من أشرار وقادة عصابات (ج2- ص165).ولأنّ عبد الهادى أحبّ زينب بصدق، وتمنى لو طلــّـقها نور الدين ليتزوّجها، قال لنفسه وهو يتذكر لقاءاته معها: فى هذا البيت المرأة التى أحببتها.. وأنّ التقارير التى يمتلئ بها مكتب دياب عن مباذلى وشرورى التى ارتكبتها مع المرأة التى تعيش (حبيسة هذا البيت) هذه المرأة هى أفضل ما فى حياتى (ج2- ص283).
الشخصية المحورية الثانية فى الرواية، شخصية أحمد دياب (رجل المخابرات ورئيس مجلس إدارة الجريدة) وفى أول لقاء به فإنّ المؤلف حرص على تأكيد (طبيعته التجسسية) وذلك بالاتصال بأحد أعضاء سهرات القمار فى بيت نور الدين، ليسأله عن رأيه فى (يوسف منصور) الذى يصاحب عبد الهادى فى هذه الجلسات، فقال الرجل: هو شاب طيب.. وهو كما قال عبد الهادى: ابن ناس طيبين.. ويوم دخلتْ علينا زينب زوجة نور الدين، فإنه هو الوحيد الذى وقف لتحيتها.. ولم يقف أحد غيره، الأمر الذى أحرجنا جميعا.. ولكن دياب تشكك فى هذه الشهادة فسأل الرجل: هل هو فعلا شاب طيب؟ ولما طلب هذا الرجل -الذى يعمل مع الخابرات- بعض المال تجاهله دياب وقال له: فيما بعد.. وقال لنفسه: ها أنا مضطر إلى التعامل مع مثل هذه الشخصيات الكريهة.. وأخرج من درج مكتبه (قائمة الأعداء) أو المشبوه في ولائهم لنظام الحكم بمها فيهم فراش المكتب: صالح الأخرس (ج1- من ص126- 130).
وعندما صعده جهاز المخابرات من (رقيب على ما ينشر فى الجريدة) إلى منصب رئيس مجلس الإدارة، جمع الصحفيين ليقول لهم خطته فى العمل.. وكان وصف غريمه عبد الهادى: جلسنا نستمع إلى صرخات دياب.. وقد ظنّ نفسه يخاطب الجماهير فى ميدان عابدين (ج1- ص331). وبينما يوسف يـُـدافع عن دياب (بهدف مصلحة الوطن) فإنّ عبد الهادى قال له: أتذكر الأيام التى عمل فيها دياب رقيبـًـا للجريدة.. ويوم عينوه مشرفا على أجهزة الإعلام فى المخابرات.. وترْك وظيفة الرقيب، يومها قلتُ لك إنّ تعيينه فى منصبه هذا جاء بعد أنْ درس أحوالنا ليستعد لجولة جديدة يـُـوجه فيها ضربته.. ولما شحب وجه يوسف قال له عبد الهادى: هل تخاف منه إلى هذه الدرجة؟
ولأنّ المؤلف يدرك أهمية الدراما.. وأنها لابد أنْ تأتى بشخصيات (حقيقية) وليست (مرسومة بالمسطرة) لذلك فإنّ رجل المخابرات، له غرامياته فى فترة شبابه.. وفى نفس الوقت له مشاعر إنسانية، خاصة عندما علم بأنّ عشيقته التى حملتْ منه وهجرها، أنجبتْ منه بنتــًـا وعاشتْ وبلغتْ سن الزواج.. ولكنها ماتت فى حادث مأسوى، فأخذ عنوان قبرها.. وذهب ليواسى نفسه بالبكاء؛ لأنه هرب من عشيقته ولم يستمتع بدفء مشاعر الأبوة.. والسبب خشيته من رؤسائه فى المخابرات (ج1- من ص393- 398).
ولكن هل اتعظ من تلك التجربة؟ فعندما علم بإصرار يوسف على الزواج من زينب.. وقف ضده وعنفه وطلب منه (بصيغة الأمر) أنْ يقطع علاقته بها.. وكل ذلك حرصــًـا على (سمعته فى الحزب الطليعى) وعندما لم يستجب يوسف للأوامر قال له: لقد سبق أنْ حذرتك.. وها هو زوجها جاء يشكو (ج2- ص279، 280). وهذا التطور فى شخصية دياب غاية فى الأهمية دراميــًـا، فبعد ندمه لأنه رفض الزواج من عشيقته، إذا به يحاول تحطيم علاقة حب إنسانية، مـُـفضلا الجانب الوظيفى على البـُـعد الإنسانى.. ولكنه وهو على فراش الموت قال ليوسف: يجب أنْ تغفر لى ما بدر منى، لقد أخطأتُ فى حقك.. وما شعرتُ فى حياتى بندم مثلما شعرتُ نحوك (ج2- ص331).
الشخصية المحورية الثالثة هى شخصية (يوسف منصور) المُـسالم الحالم بمجتمع (مثالى) ويتصور أنّ (كل) أو (معظم) اللشر لديهم أخلاق فاضلة مثله.. وقد ظهر هذا وهو يسعى للتوفيق بين دياب (رجل المخابرات) وبين الانتهازى (عبد الهادى) ويعتقد أنّ الإثنيْن من الممكن أنْ يتعاونا لصالح الوطن.. ومن تناقضاته أنه وافق على دخول التنظيم الطليعى التابع لجهاز المخابرات (ج1- ص123). وبالرغم من معرفته بتعدد علاقات زينب ومغامراتها مع الرجال، أصرّ على الزواج منها.. وقال لها: إنك أهم شىء فى حياتى (ج2- ص179). ومع مراعاة أنه كان يشعر بالخطر، وأنها قد تخونه فى أية لحظة (ج2- ص345).
الشخصية التى كانت محور الثلاثى (دياب، عبد الهادى، يوسف) هى (زينب) التى منحها المؤلف أكثر من رمز، فهى الطفولة البريئة.. والتمرد البوهيمى.. ولم يكذب عبد الهادى عندما وصفها بأنها (قنبلة مُـتفجــّـرة) وعندما نصحها عم صالح الفراش بالابتعاد عن (مواطن الشبهات) قالت: أنا لا أخاف الشر.. ولا أخاف الشيطان (ج1- ص214) بالرغم من أنها كانت تعتبره بمثابة والدها.. وتحبه وتحترمه، بالرغم من الفارق الاجتماعى بينهما.. وببراءة طفولية قالت لعبد الهادى: أحيانــًـا أشعر أنى أريد أن أمنح نفسى لمن يستحقها.. وأقول له: افرح معى (ج1- ص315). وعندما تأكدتْ من انتهازية عبد الهادى.. وأنّ لا فرق بينه وبين دياب قطعت علاقتها به بلا تردد (ج2- ص187) وكثيرًا ما تمنــّـت أنْ تكون مثل الممثلة انجريد برجمان فى فيلم (جان دارك) تحارب أعداء الوطن) أو تكون مثل (نعيمة عاكف) لـتــسعد من يشاهدون رقصها (ج2- ص197) ولكن أهم جانب فى شخصيتها، هو معارضة حبيبها وزوجها يوسف، الذى أزعجها بالكلام عن (مصلحة الوطن) وعن اجتماعات (تنظيم الاتحاد الاشتراكى) فقالت له: أريد أنْ أفهم ماذا تفعلون؟ وعندما سألته عن بعض الملفات التى حرص على تخبئتها فى مكان أمين وسرى، قال: هذه أوراق سرية..ولاتتحـدّثى عنها أمام أحد، فسخرتْ من كلامه.. وكانت قد سمعت عن التنظيم السرى الذى انضمّ إليه.. ولم تهتم حتى سمعته يقول فى التليفون: حاضر يا أفندم، سيادتك يا أفندم.. وعندما أنهى المكالمة سألته ساخرة: كيف تخاطبه بهذه اللهجة المهينة؟ فقال: أية لهجة مهينة؟ فقالت باشمئزاز: أفندم. سيادتك يا أفندم. هل أنت خادم عندهم؟ ولما غضب من كلامها قالت: أنت تنافقهم من أجل المنصب.. وبعد يوميْن قال لها: معك حق لقد (زهقت) ومللت كثرة الاجتماعات، بدون عمل إيجابى لصالح الجماهير، فقالت له: ولماذا لا تترك هذا التنظيم.. وإذا كنت اقتنعت بعدم جدواه، تعال نصنع تنظيمنا، فابتسم وقال: أى تنظيم؟ قالت: تنظيم يسعد الناس، تنظيم لنشر الحب.. وذكرت له حكاية الولد الصغير الذى نزع سلسلتها الذهبية وهى فى طريقها للمدرسة.. وعندما قبض عليه الأهالى صرخ: خذونى للسجن أو اقتلونى، أنا جعان. اندهش يوسف وقال: أنت تعرفين هذا البؤس؟ فقالت: أنا أعرف عن الحياة أكثرمنك.. وعندما علمتْ بأخبار هزيمة يونيو1967قالت له: أضعتم مصر. أين الانتصارات التى حدّثتنى عنها.. والكلام الذى قالوه لك فى التنظيم، عن الطائرات التى أسقطناها لإسرائيل.. والنتيجة أنّ كل ما قالوه كان كذبــًـا فى كذب..وخرجتْ إلى الشارع تصرخ كالمجاذيب وتبكى.. وهى لا تدرى إذا كانت تبكى مصيبة مصر أم تبكى مصيبتها (ج2- من ص 350- 360).
وشخصية (عم صالح) بواب عمارة والد زينب، ثمّ الفراش لمكتب عبد الهادى، فإنّ المؤلف رمز به إلى جماهير الشعب المشغولين (بلقمة العيش) ولا دخل لهم بالسياسة وألاعيبها.. وعندما كانت زينب تقول ليوسف: أنت وأمثالك من الصحفيين والسياسيين أظلمتم الناس بفسادكم، فقال لها: يعنى لا يوجد أى شخص يعجبك وترضين عنه؟ قالت: عم صالح وأمثال عم صالح.