القاهرة 30 يونيو 2020 الساعة 10:47 ص
كتب: محمد حسن الصيفي
لا أعرف السر وراء البحث والقراءة عن حياة الكُتّاب، الأدرينالين يتدفق بشكل تلقائي، والطموح يرتفع، ومحاولات التخيّل والتقمص تبلغ مداها حتى تصل إلى سقف الغرفة.
مطاردات لا تنتهي، كلمة هنا عن ديستو?يسكي، مقال هناك عن طقوس الكتابة لدى همنجواي، حدوتة متكررة عن روتين نجيب محفوظ اليومي في الكتابة...
عدد لا نهائي من الكلمات حول نجوم سينما الكتابة، الخيال يشتعل، ويلوح الهروب بشكل كبير من الواقع الخشن لصور الكُتّاب الكلاسيكية اللامعة في الخيال، كلمات تشي بين السطور بشيء من أرستقراطية الكتابة المنشودة استحضارًا لعظمة هؤلاء وهم يحتسون أقداح القهوة وأنت تطارد الشاي المغلي في كوب رديء لدى سيد القهوجي الذي تعتبر سحنته الكريهة جزءا من طقوسك اليومية.
ماذا ستفعل سليفيا بلاث أو إيزابيل الليندي لو رأت سحنة السيّد في الصباح الباكر...بلاث!
عشرات الكتب تحوم حول طقوس الكتابة وسؤال لماذا تكتب لكبار الكُتّاب والأدباء والتصريحات البراقة أحيانا واللزجة أحيان أخرى، والكلمات المطاطة على غرار "أكتب لأفضح الظلم أو أغير وجه العالم القبيح، أكتب للهروب من الأغبياء الذين أواجههم كل صباح، أكتب لكسر تابوهات العالم الرمادي..." وغيرها من الكلمات المضحكة في الغالب التي تعج بها الكتب والحوارات الصحفية مع نجوم الكتابة التي تشترط أن يطلق الكاتب لحيته ويضع راحته على جبهته "إمعانا في كونه مفكرا غارقا في التفكير" ويا حبذا لو أشعل غليونه في خلفية داكنة ومن أمامه القهوة التي يرتشف منها رشفتين بالعدد، ثم يطلب غيرها ليكرر الأمر نفسه عدة مرات.. هذه من بديهيات عمق ما بعد الحداثة!
لكن ما يلفت انتباهي بالفعل هو البساطة، أن تجد وسط عواصف العمق المزيف كاتبًا يدخلك إلى قلب النص ببساطة وكأنك تجلس إلى جواره بالبيجامة دون أي تكلف أو اصطناع، أن تجد مترجمًا يقدم لك النص بحب وبساطة، لا يشعرك بالثقل، يعبر بالنص تحت جلدك دون أن تشعر بأي وخز، وهي عملية شديدة الصعوبة والتعقيد.
منذ فترة وأنا أجد ترجمات الكاتبة والمترجمة ضي رحمي، على فيسبوك، العديد من الأصدقاء يقوم بمشاركة ترجماتها لمجموعة من الشعراء والكتاب المعروفين، سيلفيا بلاث وبوكوفيسكي وبابلو نيرودا ومايا أنجلو وغيرهم، شيء غامض يجذبني إلى تلك النصوص رغم أني لا أطيق الأشعار المترجمة، فغالبيتها عندي يشبه السوشي، لكن شيئًا ما هنا مختلف، دفعني لمتابعة المترجمة على فيسبوك لأقترب أكثر من النصوص، بمرور الوقت اكتشفت أن السر كان في البساطة، ضي رحمي لا تحاول بحال من الأحوال أن تضع مساحيق على وجه النصوص التي تقوم بترجمتها، اقرأ النص وأشعر بمتعة وهدوء.. وفقط، تظهر النص بوجهه الحقيقي دون أن تقوم بدور الميك آب أرتيست، دون أن تصبغه بطبقات من التقعير والعمق، النتيجة النهائية أنها تأخذك إلى قلب النص وحالته دون أي صخب، تفتح الباب بهدوء وبلا ضجيج لكي تثبت لنا أنها هنا!
خطر لي في أيام الأرق واختلال موازين النوم والحياة أن أسألها بشكل مباغت وبلا معرفة مسبقة من خلال رسالة فيسبوكية وبلا أي تجميل، ما السر في جمال النصوص التي تترجميها دون غيرها؛ لأنني وللأمانة لست من هواة الشعر المترجم ولا حتى قصيدة النثر؟!
فشجعتني إجابتها للكتابة وأكدت الفكرة في رأسي رغم أن الموضوع يشغلني منذ فترة طويلة دون أي إقدام حقيقي على الفعل!
فقالت السر أنه لا يوجد أي سبب يدفعني لترجمة النص سوى الحب، لا أترجم النص إلا إذا فهمت معناه "والفهم هنا يعني هضم الفكرة ككل وروح النص وليس المعنى بشكل حرفي"، فأحيانًا أشرع في ترجمة نص ثم أفاجأ بجزء لا أفهمه بشكل مريح وسلس فأتراجع فورًا مهما كان الجهد المبذول في ترجمته ومهما كان إغراء النص وإلحاحه.
كذلك، فأنا أعتبر نفسي هاوية، لا أعتمد على الترجمة في الدخل المادي، وهو ما يمنحني كل الحرية في الاختيار!