القاهرة 30 يونيو 2020 الساعة 10:43 ص
حوار: زينب عيسى
وزيرة الثقافة وقفت موقفا نبيلا في مرضي.
يحيي حقي دخل علي بعلبة "بونبوني" وقال لي مبروك يا محمد كسبت جايزة الدولة.
أشكر كورونا.. تسببت في فوزي بالجائزة والتصويت الإلكتروني حيادي وموضوعي.
نوعان من البشر ل اثالث لهما.. حين يأتي الحديث عن الجوائز، الأول من يلهث وراء التكريمات وأضواء الشهرة وصيد الجوائز، فتهرب منه. والآخر "المستغني" هو مبدع في مجاله لا يلتفت إلى الوراء ولا يعنيه كثيرا أن يحصد فوزا أو تكريما.. ومبدعنا من هذا النوع الأخير، يسير في حقل إبداعه يزرع شتلات من دمه وعصارة فكره فتنبت جمالا وزهورا يحصدها راضيا واثقا غير مبال بالنتائج.. هو الروائي الكبير محمد جبريل صاحب المشروع الإبداعي الثقافي الكبير والممتد عبر 85 عملا روائيا وقصصيا بخلاف الدراسات النقدية والرسائل الجامعية التي ناقشت أدبه .
فاز محمد جبريل الروائي والكاتب الصحفي بجريدة المساء، صاحب اليد البيضاء على مئات الصحفيين الذين تتلمذوا على يديه بجائزة الدولة التقديرية في الآداب والتي أعلنت منذ أيام قليلة، وهو الخبر الذي أثلج صدر أصدقاء وتلاميذ ومحبي "الأستاذ" الذي لم يخف سعادته بالجائزة؛ لكنه لم يبد اندهاشا بذلك الفارق الزمني الذي يفصل بين الجائزة الأولى عام 1975 وجائزة 2020م. خمسة وأربعون عاما لم يتساءل يوما "جبريل": لماذا غابت عني الجوائز؟ والإجابة لديه: لا أنظر خلفي وأمارس حب الكتابة دون هدف أو مصلحة.
حين حادثته تليفونيا مهنئة بالجائزة، وقد منعتني كالجميع كورونا من التهنئة المباشرة وسألته عن الجائزة التي أتت أخيرا، كان صوته ضاحكا مصدرا تفاؤلا ومحبة كعادته ضاحكني قائلا: أشكر كورونا.. قد دفعت لجنة الجائزة إلى تصويت إلكتروني وكان فألا حسنا علي وجاءتني الجائزة التي استمديت سعادتي بها من فرحة أصدقائي وقرائي؛ لكن الحديث عن أنها جاءت متاخرة لم أهتم به قط، و "مش متضايق" لسبب بسيط أنني اعتدت ألا أنظر خلفي أبدا، بل أعيش ما أنا فيه وأستثمر وقتي في الكتابة وهي حياتي.. حتي في مرضي لم أتوقف عن الكتابة مطلقا.. لماذا؟ وبجانبي رفيقة الدرب وشريكة الرحلة زينب العسال.
لكن أستاذ جبريل.. ما السبب الحقيقي وراء عدم التفاتك لمسألة الجوائز؟
لا أحب أن أكون موضع امتحان، لأني أعتبر التكالب على الجوائز فقدان ثقة وأنا ثقتي من داخلي ولا يهمني أن أستمر وفق تقييم الآخرين لي، وهذا ليس كبرياء "لاسمح الله" لكنه تواضع بثقة في النفس تجعلني لا أحب أن أتسول أو أنتظر اعتراف الآخرين بي، وهو نابع من اطمئناني لعملي وإدراكي له، وأن تأتي جائزة هو شيء يسعد بالطبع؛ لكني لا أنتظرها حتى أن صديقي يسري حسان كلمني ليبلغني بالجائزة ردت عليه زوجتي وكانت أول من عرف بالخبر.
رشحت لجائزة الدولة 3 مرات من قبل ولم يتم اختيارك.. ما تعليقك؟
هذا صحيح.. رشحني اتحاد الكتاب مرة واختاروني بالتزكية وحدثت تدخلات فذهبت الجائزة لآخر، وإحدي المرات سميت الجائزة لصالحي، وتغير الترشيح في آخر وقت لصالح كاتب آخر مهم وله مشروعه، لكن هناك اعتبارات في الجوائز أحيانا ليس من ضمنها من هو الأفضل والأجدر وأقول والأسف يملؤني إن الشللية تتحكم في بعض الجوائز، وأنا لا أنتمي إلى أي شله أو فصيل، لكني كما قلت لكي لا أحب أن أتطرق إلى مسألة الجوائز.. أنا فقط أكتب وأتامل وأفكر، سواء بعد الجائزة أو قبلها، معها أو بدونها.
يعد فوزك بتقديرية الدولة هو التكريم الثاني بفارق زمني 45 عاما.. ما ذكرياتك عن الفوز الأول؟
هذا صحيح.. كانت المرة الأولي عام 1975 وأتذكر يومها أن دخل علي الكاتب الكبير يحيي حقي وقال لي "مبروك يا محمد" كسبت جايزة الدولة وكان معاه "علبة بونبوني" كان معروف عنه البخل.. فكان حدثا باعتباره من "البخلاء المنسيين" كتوفيق الحكيم الذي أطلقت عليه هذه الصفة وهو أبعد ما يكون عنها، بل عرف عنه من المقربين غير ذلك. وأتذكر أن ابنه إسماعيل كان موسيقيا ويستضيف فرقته في البيت، بل كانوا يقيمون معه لكن واضح أن هذه الشائعة كانت نوعا من البروباجاندا أو الدعاية له، مثل حكايات حمار الحكيم وعصا الحكيم وغيرها.
هل تري أن نظام الجوائز يحتاج إلى آلية جديدة، وما رأيك في التصويت الإلكتروني الذي تم هذا العام؟
نظام الجوائز عندنا غريب، وفي ظروفنا الحالية وفي السنوات الأخيرة يحتاج المبدع أن تكون له علاقات مع أطراف كثيرة؛ لذا لا أجد نفسي مضطرا إلى أن استجدي الجائزة، وأجدها مناسبة لأقول إن الكورونا كلها دمار، لكن لها إيجابية وهي التصويت الإلكتروني الذي جعل هناك حيادية في الجائزة وقدرا من الموضوعية.
ماذا تقول للكتاب والمبدعين الذين غاب عنهم التكريم؟
فقط.. انظروا إلى عملكم، واجعلوا هدفكم هو الكتابة والكلمة الصادقة.. وحتما إن تاخرت الجائزة ستأتي يوما ما لكن وأنتم راضون عما أنتجتم، وليس كل التكريم مادي فحب القراء وتقديرهم أهم كثيرا من التقديرات الأخرى الزائلة، وهو ما فعلته طوال حياتي.
ما الذي علمتك إياه محنة مرضك الأخير؟
لم أتوقف عن الكتابة لحظة، وهو ما أنقذني من حالتي النفسية التي من الممكن أن تسوء بسبب آلامي الجسدية.. كتبت وأنا في المستشفى، وعندما عدت إلى المنزل.. ولن أتوقف عن الكتابة، فهي عشقي وملاذي، وأذكر موقف الدكتورة إيناس عبد الدايم بالخير أثناء مرضي، فقد وقفت موقفا نبيلا وكذلك القوات المسلحة العظيمة.
طمئنا على حالتك الصحية.. وما الذي تعكف عليه الآن؟
انتهيت من رواية تحمل أجواء صوفية بعنوان «حيرة الشاذلى فى مسالك الأحبة»، وتتناول سيرة سيدى أبى الحسن الشاذلى، حين ترك حميثرة فى البحر الأحمر، وسافر إلى بحرى فى الإسكندرية والتقى بتلامذته: أبوالعباس والبوصيرى وياقوت العرش وغيرهم، ويسألهم ما الذى حدث فى الدنيا.