القاهرة 30 يونيو 2020 الساعة 10:22 ص
رؤية: أشرف قاسم
وسط تلك الحالة من الحصار المفروض -قسرا- على الشعر من دور النشر الكبرى من جهة، ومن النقاد الكبار من جهة أخرى، تطل علينا بين الحين والآخر أسماء شابة لشعراء حقيقيين يحاولون إثبات وجودهم في المشهد من خلال تجاربهم الأولى التي تحمل بكارة الطرح وصدق الفن الأصيل.
ومن هذه التجارب التي أسعدتني مؤخرا هذا الديوان الجميل للشاعر محمود نبيل العيساوي ابن محافظة المنيا "حكايات على رؤوس الخلق"، والذي صدر له من قبل ديوان "عابر رصيف" في 2016 .
الظاهرة الأوضح في هذا الديوان هي العمق الفلسفي ونضج الرؤية، مع التأكيد على جماليات العامية المصرية، ومدى تأثيرها على وجدان المتلقي، وانسجام تلك اللغة مع الصورة الشعرية التي يرسمها الشاعر من خلالها دون ترهل أو اكتناز:
"شكوت إلى صديقي سوء حظي"
فخد حظي وساب السوء
كذلك لما كنا عيال
بنحكي لبعض عن لعبة
محققتش نقط فيها
يسيب الأزمة وسببها
ويجري يجرب اللعبة
بحجة دفعي للتحقيق
فياخد نقطة من حقي
ويهديلي نقط تأنيب:
مفزتش ليه؟؟.. ص25
كما يهتم الشاعر بشكل ملحوظ برصد تفاصيل المشهد الإنساني دون تزيد، في محاولات متكررة عبر نصوصه لتفسير هذا الواقع الملتبس، ولذا تمتلئ نصوصه بالتساؤلات التي تفتح آفاق التأمل أمام أعين المتلقي وهواجسه، فالشعر لم ينفصل عن الواقع ذات يوم، ولم ينفصل عن تلك التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يموج بها هذا الواقع بصراعاته الكبرى:
وما فينا قصيدة تهز المركب والسلاطين
مساجين في الذات
والذات بالذات مليانة حاجات
لو طلعت غفلة ترج الأرض
بركان مساكين.. ص14
من خلال تلك اللغة البسيطة الملتصقة بالحياة يرسم محمود العيساوي لوحاته بكل ما فيها من فجائعية وألم، يمزج من خلالها بين الحب والفراق والأمل والحنين، وينحت بإزميله صورا طازجة لا تشبه أحدا سواه:
بيني وما بينك خطوتين
واحدة همشيها بشجن
والتانية تمشيها بدلال
اللهم إني هويت
فاهديها روحي بالحلال
واهديها شعري
لو مليش في الشعر حال.. ص 51