القاهرة 18 يونيو 2020 الساعة 10:56 ص
بقلم : محمد حسن الصيفي
جاء كورونا ومعه ما يلزم من مِحَن، طبقًا للجملة الشائعة "المصائب لا تأتي فُرادى" .. جاء كورونا ولم تقتصر مصائبه على كونه فيروس لعين مفخخ لا أحد يعرف له لقاحًا حتى الآن، أصاب العالم بالرعب والهلع؛ بل اكتسح الأرواح اكتساحًا عن طريق الموت الفعلي أو النظري عن طريق الرعب وجنون المتابعة وعطب الأرواح.
أعادنا كورونا لتاريخ من الفيروسات اللعينة على مر التاريخ، ولكن الجديد غير احتمالات أنه مصنع بشريًا؛ أنه ألزم الناس بالبقاء في المنازل، وأصبح الكثير من البشر وجهًا لوجه مع وحش الفراغ المرعب لأول مرة ولأيام طويلة.
والفراغ فتنة، ثقب أسود، شتات للنفس، الفراغ يضع الإنسان أمام نفسه والإنسان أمام نفسه ضعيف وخائف، وقتها تصبح كل الحلول كلاسيكية مثل القراءة ومشاهدة الأفلام أو حتى الألعاب الإلكترونية حلول واهية خصوصًا بمرور الوقت بعد أن يتمكن وحش الفراغ ويطبق يديه بإحكام حول الرأس بالتفكير، تلجأ للقطعة الحديدية اللعينة، تتصل بالإنترنت، تنفذ إلى فيسبوك، تطالع أعداد المصابين وعشرات المقالات والاجتهادات والفتي المقنن وغير المقنن، تقرأ عن علاج جديد يتم تجربته على الفئران، مصل يتم تحضيره في فرنسا، مقطع طويل عن ربط الفيروس بالحرب الطويلة بين أمريكا والصين والخفافيش بحروب الجيل الخامس بالفيل الذي تم إيذاءه بشذوذ عجيب في الهند...!
تشعر بالاختناق، أنت الآن تحت طبقات بحر هموم شديد العُمق، تفكر بعدها في النوم أو في القراءة أو مشاهدة مسلسل سطحي يصنع على وجهك ابتسامة بلهاء مجترة... لكن هيهات، تمكن منك الفيسبوك ومن عقلك وأحكم السيطرة.
اسأل نفسي عن جدوى الموقع الأزرق اللعين من عدمه، لكن أتخيل أنني لو قمت بإغلاقه سأتحول لرجل الكهف، والوحدة هنا شديدة وعاتية، تستطيع تحمل ألم انفجارات وزلازل وويلات ولطميات الفيسبوك السرمدية؛ لكن لن تحتمل خشونة الوحدة، أمران كلاهما مُر، جماعية فيسبوكية مرهقة حد المرض؛ أو وحدة لا ترحم تُحيلك لأن تقوم بعَدّ الورود على ملاءة السرير، أو عدد حبات الفاصوليا في المطبخ!
اختلف العالم الآن، كل شئ تغيّر، حر يونيو اختفى، وحل مكانه هواء الخريف البارد، وتحولت المدينة بعد العاشرة مساءً إلى قبضة الأشباح، والشوارع التي كانت تكتظ بالناس وعربات التين الشوكي والبطاطا والذرة المشوي في يونيو تحولت إلى ركام من الذكريات، وسكن الصمت كل ذرة رمل، والحر القائظ تحول لبرودة تستدعي ارتداء الجوارب ليلا، ولا أحد يعرف على وجه الدقة هل هي برودة القلب أم الجسد!
العالم يتحول، المعادلة تتغير هذه المرة بطريقة غير مرئية، ليست بالحروب الذكية ولا بالغبية، هذه المرة عبر فيروس لا يرى بالعين؛ لكنّه اعتصر القلب والعين، واكتسح الناس من فوق الأرض، لا يرحم، وأصبح الإنسان رهن إشارة الصداع والعطس حتى يدخل في نوبة رعب لم تفلح فيه أفلام الرعب الأمريكية بعد الثانية عشر منتصف الليل!
ولا مخرج الآن سوى تقبل الوضع والمرونة، التعامل بواقعية، تحمُل النزول إلى البقالة بالكمامة والجوانتي، تحمل برودة الطقس والقلب المفاجأة، الصبر في انتظار الفرج، إزاحة أصحاب الجهالة بوضعهم على آلية الصمت الفيسبوكية الطويلة، والهروب من فخ متابعة الأخبار الكئيبة ولو لسويعات قليلة ومحاولة الاسترخاء لمواصلة الحرب!