القاهرة 16 يونيو 2020 الساعة 11:17 ص
كتب: صلاح صيام
داخل كل مبدع رحلة قطعها –بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا إلا ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي. وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوص فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة, وأصابها شيء من الإحباط.. صورا مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة، وتكون نبراسا لهم فى قادمهم....
ونواصل اليوم حديثنا مع الكاتبة السودانية مناجاة الطيب التى بدأت بقولها: خرجت من هذه التجربة سريعا ولكني كنت أحمل نفسا إضافيا بعد أن عاد اسمي للظهور على صفحات المجلة، فذهبت لوزارة التربية والتعليم وأنا أحمل قصصي، قاصدة مجلة الصبيان التي كانت تصدر عنها، صحيح أنها كانت متعثرة في الصدور ولكنها كانت الوحيدة والأقدم على الإطلاق؛ إذ يعود تاريخ صدورها لعام 1969 م، وفي الوزارة كان الجميع في ذاك اليوم يحتفلون بيوم الخدمة وهو سياسة انتهجتها حكومة الإنقاذ في بدايتها في جميع مرافق الدولة بأن يكون يوم الخميس يوما ترفيهيا في الظاهر تطويعيا في الباطن، فما أحب للنفس من الترويح. كان الشخص الذي أقصده هو المتحدث في البرامج فانتظرته حتى انتهى من خطابه عن الشهداء وكرامتهم والجهاد وكانت أيامها حرب الجنوب في أوجها وتعجبت وقتها ما علاقته بذلك القول وهو من خبرناه مقدما لبرامج الأطفال، ثم كاتبا في مجلتهم، وحرى به أن يتحدث في مجاله المكلوم الجاثم على الأرض نتيجة الإهمال والإقصاء رغم أهميته.
وبعد أن انفض الجمع تقدمت منه دون حماس ولم يخب ظني عندما قال لي دون أن يطلع على حرف مما حملته له (عليك بالذهاب إلى.... لتعينك على كتابة القصص وأن تقيم أعمالك أولا) قالها وهو يلوح بوريقاتي، فأخذتها منه وانصرفت دون أن يتسرب الاحباط إلى نفسي لسببين أولهما إنه لم يطالع ما كتبت حتى يوجهني لمن تعلمني الكتابة، وثانيهما إنني لم أكن مقتنعة بما تكتبه أو حتى يكتبه هو، فأنا قارئة ممتازة لعدد كبير من الكتاب على مستوى العالم. والقارئ هو من يقيم الكاتب... ولن أسمح لمن حالفهم الحظ لا الكفاءة بقتل طموحي.
وذهبت وعدت بعد تجارب قصيرة لا أرى داع لذكرها لسرعة إيقاعها في تجربتي.. عدت ولم أجد ذلك الشخص وكنت أحمل سيناريو لقصة مصورة من عدة حلقات اعتذروا عنها لطولها.. وكانت أسبابهم منطقية أهمها إنهم يصدرون في فترات متباعدة قد ينسى القارئ ما قرأه في العدد السابق وطلبوا مني أن أكتب في حدود صفحتين، فعدت إلى المنزل وقد عزمت على عدم التقدم لأي مجلة بعد اليوم واستيقظ عندي حلم هو سري الخطير منذ الصغر وهو تأسيس مجلة أطفال.. حلم تقابله كلمة واحدة... مستحيل.
ومع ذلك حملت ذلك المستحيل وذهبت للاتحاد العام للمرأة السودانية الذي سمعت من شقيقتي أنه يمنح تمويلا للمشاريع. وهناك قابلت أستاذة وجهتني للقسم المعني بذلك، ولكنهم عندما عرفوا طبيعة مشروعي ذي الربح الهامشي قالت لي المسؤولة بالحرف الواحد (طيب حا تحلينا كيف) وأسقط في يدي وكنت وقتها أظن أنني سوف أجد من التحفيز ما يدعم مشروعي الذي يستهدف شريحة مهمة من المجتمع الذي ما قامت مثل تلك الكيانات ونظمت إلا له، ولكن يبدو أن المعيار مختلف، فالسياسة قد تمددت وطالت الجميع وصاروا لها جنودا مجندة.
وانهار الحلم ولكن لم تنهار عزيمتي وقررت أن أقوم بعمل رسومات لقصصي، فذهبت إلى وزارة التربية والتقيت بزميلي عندما كنت بمجلة "صباح" كان يعمل رساما وقتها ولكنه صار من القلائل الذين يجيدون التصميم على أجهزة الكمبيوتر. وهناك عرفت أن وزارة التربية طرحت مسابقة لاستكتاب كتاب الأطفال لطباعة مائة كتاب للأطفال لدعم المكتبة المدرسية، فتقدمت بثلاث قصص قام الرسام عادل الماحي عليه الرحمة برسم كتابين، بينما قام بدر الدين محمد أحمد برسم الثالث..
وصرت أنتظر النتيجة التي حددت لها احتفالية ضخمة لم تأت حتى اليوم.. ولكن الحظ قرر أن يبتسم لي.. فكيف ذلك؟ هذا ما سنعرفه فى الحلقة القادمة.