القاهرة 16 يونيو 2020 الساعة 10:46 ص
كتب: أحمد مصطفى الغر
من كان يتصور أن حادثة مقتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية "جورج فلويد"، على يد رجل شرطة أبيض في مدينة مينيابوليس الأمريكية، قد ينتج عنها كل هذه الأشكال الاحتجاجية والمظاهرات ضد وحشية العنصرية والعنف الممارس بحق الأقليات وذوي البشرة السمراء، ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل في مختلف مدن وعواصم العالم، فطبقًا لإحصاءات ودراسات كثيرة أجريت حول الاستهداف الممنهج والعنصري ضد السود في أمريكا، نجد أن هناك تمييزًا عميقًا فى المعاملة نحوهم، سواء فى السياسات الصحية أو السكانية أو التعليمية، على الرغم من أن نسبة السود فى الولايات المتحدة تتعدى 13% من سكانها.
ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن جرائم العداء المتفشى ضد السود فى الولايات المتحدة، فهذا التفشى المهيمن الذى أنتج وينتج الكثير من جرائم القتل والفظائع ضد السود قد أحدث خصومة عميقة داخل ذاك المجتمع الذي يزعم ديموقراطيته على الدوام، وإنما سنتناول القضية من منظور آخر، وهو المنظور السينمائي وتناول الأفلام لقضية العنصرية والتمييز بين البيض والسود (والأقليات الملونة عموما) في الأفلام السينمائية، فقد عانت أقليات السود من معاملة وحشية بسبب اللون عبر تاريخ طويل من العنصرية، ويمكن أن نستعرض هنا بعض أشهر الأفلام السينمائية والوثائقية التي تدور حول قضية التمييز العنصري ضدّ السود في الولايات المتحدة، التي تشتعل شوارعها الآن لنفس السبب.
Malcolm X
يتناول هذا الفيلم خطى المناضل الأمريكي الأسود "مالكولم إكس"، وذلك من أجل تحرير السود في أمريكا، مروراً بسجنه في فترة الخمسينيات، ثم إعلان إسلامه وتزعّمه لحركة "أمة الإسلام"، التي أسسها كبديل للجمعية الإسلامية، وتقوم علي أساس التكامل بين الأجناس والأعراق والثقافات، كما يروي الفيلم تفاصيل كفاح "مالكولم" ضد العنصرية وصولًا إلى اغتياله عام 1965، تاركاً إرثاً غنياً من مبادئ تقرير المصير والفخر العرقي لذوي البشرة السمراء في الولايات المتحدة.
هذا الفيلم هو أول فيلم غربي يتم تصوير بعض المشاهد منه في مكة المكرمة، وقد تم تصوير باقي مشاهد الفيلم في الولايات المتحدة ومصر وجنوب أفريقيا، وتم إنتاجه عام 1992م، وفي عام 1993 تلقى الفيلم ترشيحين لجائزة الأوسكار، كما تم ترشيحه لجوائز الجولدن جلوب، وقد تم عرضه أيضا داخل المنافسة الرئيسية في مهرجان برلين السينمائي، الفيلم من إخراج "سبايك لي".
Selma
في عام 1964؛ كان التمييز العنصري لا يزال صارخاً في المدن الأمريكية، مما جعل من الصعب على المواطنين السود التسجيل للتصويت، وفي العام التالي 1965، أصبحت مدينة ألاباما ساحة المعركة في الكفاح من أجل الحصول على الحق في الاقتراع، وذلك على الرغم من المعارضة العنيفة لذلك، لكن "مارتن لوثر كينج - جونيور" وأتباعه ساروا في مسيرة ملحمية ضخمة من سلمى إلى مونتجمري، حيث تُوجت جهودهم بتوقيع الرئيس الأمريكي في ذلك الحين "ليندون جونسون"، على قانون حقوق التصويت لعام 1965.
الفيلم من إنتاج 2014، وهو من إخراج أفا دوفيرني، وتأليف بول ويب وأفا دوفيرني، وقد عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان معهد الفيلم الأمريكي في نوفمبر 2014، كما أنه قد تم ترشيحه لـ4 جوائز جولدن جلوب، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل ممثل، وربح جائزة أفضل أغنية أصلية، ورُشِحَ أيضاً لأفضل فيلم وأفضل أغنية أصلية في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ87.
13th
في هذا الفيلم الوثائقي الممتع؛ تستكشف المخرجة "آفا دوفيرناي"، تاريخ عدم المساواة العرقية في الولايات المتحدة، مع التركيز على حقيقة أن سجون البلاد مليئة بشكل غير متناسب بالأمريكيين من أصل أفريقي، كما يتتبع الفيلم حالة التقاطع بين العرق والعدالة والسجن الجماعي في الولايات المتحدة، خاصة بعد التعديل الثالث عشر لدستور الولايات المتحدة ، الذي تم تبنيه في عام 1865، والذي ألغى العبودية في جميع أنحاء البلاد، فالعبودية قد تم تكريسها منذ نهاية الحرب الأهلية الأمريكية من خلال تجريم السلوك وتمكين الشرطة من اعتقال الفقراء المحررين وإرغامهم على العمل في الدولة بموجب تأجير المدانيين كعبيد.
Whose Streets?
تحت عنوان "شوارع من؟"، يأتي الفيلم الوثائقي الأمريكي في عام 2017، ليحكي قصة انتفاضة "فيرغسون" بالولايات المتحدة، كما رواها من عاشها، وكيف دفع مقتل الفتى "مايكل براون" البالغ من العمر 18 عاماً، المجتمع إلى الرد وأثار حركة عالمية، وقد تم عرض الفيلم لأول مرة في المنافسة في مهرجان صندانس السينمائي 2017، ثم تم إصداره بشكل مسرحي في أغسطس 2017، بمناسبة ذكرى وفاة "براون"، وقد تم ترشيحه لجائزة اختيار النقاد وجوائز جوثام المستقلة للأفلام.
The Murder of Fred Hampton
نظراً لأن التعامل الوحشي للشرطة الأمريكية مع السود له تاريخ طويل، يفكك هذا الفيلم الوثائقي ملابسات مقتل "فريد هامبتون"، وهو ناشط أمريكي من أصل أفريقي شاب في مجال الحقوق المدنية، على يد شرطة شيكاغو، حيث تم إطلاق النار على هامبتون في 4 ديسمبر 1969 في هجوم قبل الفجر على شقته من قبل عناصر شرطة شيكاغو، الفيلم من إخراج المخرجين "هوارد ألك" و"مايك جراي".
Fruitvale Station
يدور الفيلم حول قصة حقيقية، وتحديدًا آخر يوم في حياة "أوسكار غرانت"، الذي كان يرافق عائلته وأصدقاءه إلى سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، لمشاهدة الألعاب النارية في ليلة رأس السنة الجديدة 2009، وفي طريق العودة إلى المنزل ينجرف إلى مشاجرة مع الشرطة تنتهي بمأساة وفاته.
في النهاية تبقى هذه الأفلام مجرد بعض من كل، وهى تشكل لمحات بسيطة مما تشهده أمريكا من حين إلى آخر فيما يخص قضية العنصرية والتمييز، وما نتج عن ذلك مؤخرًا وهى حملة "حياة السود مهمة"، التي أصبحت انتفاضة تاريخية لتصحيح خيانة أمريكا الرأسمالية لحلم المناضل الأسود "مارتن لوثر كينج"، زعيم ثورة اللاعنف من أجل استرداد حقوق السود والقضاء على سياسة التمييز العنصري ضدهم. فهل ستنتهي الاحتجاجات الحالية إلى جديد ينهي مأساة السود في أمريكا إلى غير رجعة؟، أم ستتواصل الأزمة وإن خفت صوتها لبعض الوقت بفعل المساومات والمسكنات؟!