القاهرة 11 يونيو 2020 الساعة 10:09 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير- مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية
أعتقد علماء المصريات أن مقبرة أوزيريس أما أن تكون في واحد من المكانين المهمين بالنسبة للرب أوزيريس: أبوصير أو أبيدوس، أو على الأقل يحتويان على أهم أجزاء جسده. ويعتقد أن أبيدوس تحتوي على رأس الإله أوزيريس. وفي أبيدوس، يوجد مكانان مناسبان لذلك. الأول هو الأوزيريون الذي بناه الملك سيتي الأول من ملوك والأسرة التاسعة عشرة وعصر الدولة الحديثة. والثاني هو مقبرة الملك "جر" من ملوك الأسرة الأولى.
وتمتد جبانة أبيدوس خلف القرية في الصحراء. وقُسمت إلى قسمين: القسم الشمالي الغربي وعرفة الأثري الفرنسي أوجست ماربيت باشا بـ "الجبانة الشمالية"، والجزء الجنوبي الشرقي ويعرف بـ " الحبانة الوسطى".
وتقع جبانة أم الجعاب (أو "أم القعاب") على معبدة حوالي 1.7 كم من الحافة الزراعية. وعُرفت بهذا الاسم لوجود كميات هائلة من الفخار بها. وتحتوي على آثار من فترات تاريخية متعددة. وبنى ملوك الأسرتين الأولى والثانية مقابرهم بها. وأصبحت مكانًا للحج وتقديم التقدمات ونذر النذور على اعتبار أن إحدى تلك المقابر هي مقبرة أوزيريس، وتحديدًا مقبرة الملك "جر". وتمتلئ أم الجعاب بالفخار بكثرة، وخاصةً فوق مقبرة الملك "جر". وبدأ العمل من فوق المقبرة الأثري الفرنسي" إميل إملينو" لإعادة اكتشاف الأوزيريون عام 1898. وعندما بدأ موسم حفائره الأول لفت نظر إملينو كثرة الفخار المنقوش باسم أوزريريس فوق مقبرة الملك "جر". وعثر أثناء حفائره على تمثال صغير لأوزيريس مما أكد ظنه بأن مقبرة الملك "جر" هي مقبرة أوزيريس. وبعد أربعة أيام من الحفائر، ظهرت جدران حجرات تشكل مقبرة تشبه جميع مقابر المنطقة. وكانت مكونة من عدد من الحجرات. وظهرت حجرة الدفن على شكل مربع تقريبًا. وظهرت مقصورة خشبية مركزية، وكانت محاطة من ثلاث جهات بمخازن من الطوب اللبن. وكان يحتوي بعضها على بعض بقايا الأثاث الجنائزية مثل جرار التخزين الضخمة، وكان بعضها فارغًا من أي شئ أو يحتوي على لوحات أثرية صغيرة. وربما تم فرش أرضية تلك الحجرات الخشبية الرئيسية بالخشب. وأتت النيران على المقبرة بأكملها. وحدث ذلك بين الأسرة الثانية وقبل بداية عصر الدولة الوسطى. وأثناء قيام رجال إملينو بتنظيف الجزء الغربي من المقبرة، عثروا على تمثال كبير من البازلت الأسود يمثل الرب أوزيريس راقدًا على نعشه أو سريره على جانبة الأيسر، وتم تشكيل جانب السرير على شكل أسدين. وكانت الصقور تحرس (رمز الرب حورس) كل جانب من جوانب السرير. وترقد الربة "إيزيس" فوق الأسدين حتى تشبع نفسها وتحمل بالطفل الصغير حورس من أبيه أوزيريس. وفي إحدى الحجرات على الجانب الشرقي من المقبرة، عثر إملينو على جمجمة نسبها إلى أوزيريس بناءً على النذور التي وجدها على سطح المقبرة من لوحات وغيرها. واعتقد أن مدخل المقبرة الذي كان على شكل سلم يوصل إلى حجرة الدفن التي تمثل مقام الرب العظيم كما ذكرت النصوص عن أوزيريس. وبالرغم أن فحص الجمجمة أثب أنها صغيرة وربما كانت لامرأة، عارض إملينو هذا الرأي وقال إن أوزيريس ربما كان صغير الرأس بناءً على ظهوره في تماثيله. وادعى أيضًا أن المقبرة كانت المستقر الأخير لكل من المعبودين حورس ابن أوزيريس وأخيه الشرير ست!!
وابتداءً من عام 1899، بدأ العالم الأثري الانجليزي الشهير السير وليم فلندرز بتري مؤسس علم المصريات الحديث حفائره في أبيدوس. وأثبتت حفائره أن ما كان يعتقد إملينو أنه مقبرة أوزيريس ما هي إلا مقبرة الملك "جر". وأوضحت حفائره في موسمها التالي عام (1900-1901) أنه تم تعديل مقبرة الملك "جر" في تاريخ ما متأخر كي تكون مقبرة لأوزيريس، وحتى يكون بها سرير أوزيريس المنحوت والمقام فيها والذي عثر عليه إملينو، وأن السلم المؤدي إلى مدخل حجرة الدفن أضيف كي يكون مناسبًا لزيارة الحجاج لأبيدوس.